جولدا مائير ستسرق أرضنا بصمتنا

جولدا مائير ستسرق أرضنا بصمتنا
محمد الفريدي
في صباح ضبابي، كان فلاح يسير على أطراف مزرعته ليتفقد محاصيلها، فرأى من بعيد رجالا يرفعون أعلاما غريبة على التلال المجاورة، فظنهم عمّالا لصيانة الطرق.
اقترب منهم بحذر، فإذا بهم حاخاماتٌ ومستوطنون وجنودٌ يهود، يخططون للسيطرة على جزء من مزرعته، يحملون خرائط ترسم خطوطا واضحة لضمّه إلى كيان بعيد، من دون إرادته.
فقال الفلاح لنفسه: “العين ترى ما تريد أن تراه، لكن الحقيقة لا تنكشف إلا عندما نقترب منها ونتحقق من كل التفاصيل”.
هذه الحكاية تلخص حالنا اليوم، وحال كثير من مثقفينا وكتّابنا، الذين يراقبون ما يدور حولنا من بعيد وببرود، وكأن كل شيء على ما يرام، بينما المخططات العدوانية تُرسم أمام أعين الجميع.
بهذا الصمت نمنح المعتدين فرصة كبيرة، وهو أخطر من رصاص العدو، لأنه يقرب حلمهم بـ”إسرائيل الكبرى” خطوة خطوة، فيما نحن غارقون في وهم أن كل شيء على ما يرام.
في السعودية، نعيش في قلب عالم سريع التغير، وتحيط بنا تحديات سياسية وثقافية واقتصادية وعسكرية كثيرة ، لكن الخطر الأكبر لا يأتي من الخارج وحده، بل يكمن في صمتنا وتجاهلنا ولامبالاتنا، وكأننا ننتظر أن تُرسم خرائط جديدة على حساب أرضنا وهويتنا، بينما نحن نتفرج، ولن يتحقق أمننا ولا تستقر أرضنا إلا إذا رفضنا مخططاتهم وتحمّلنا مسؤوليتنا في حماية هويتنا وحقوقنا وأرضنا قبل فوات الأوان.
الأخطر من ذلك هو الكسل الداخلي والسكوت المقيت، اللذان لا يمكن وصفهما إلا بأنهما خيانة مقنّعة وقبول ضمني بجرائم من يحلمون برؤية أراضينا جزءا من مخطّطاتهم، فالسكوت هنا ليس عفويا ولا بريئا، بل شراكة جبانة غير معلنة، مغلّفة بالخوف والصمت، وكل يوم نصمت فيه نفتح لهم الباب واسعا للعبث بأمننا ومستقبلنا.
كثيرون منا لا يرون إلا ما يريدون رؤيته، فيما الحقيقة تغيب عن أعينهم، أما المثقفون والكتّاب، الذين يُفترض أن يكونوا منارة للوعي، فقد اختار بعضهم الصمت أو لاذوا بلغة دبلوماسية ناعمة، وكأنهم بصمتهم أو بدبلوماسيتهم يباركون أوهام ذلك المعتوه الجبان الذي يحلم بضم أراضينا إلى كيانه المغتصب، متناسين أن الحقيقة لا تنكشف إلا بالاقتراب منها ومواجهتها بشجاعة، لا بالخوف ولا بالحذر.
علينا أن نكشف الستار عن المؤامرات التي تُحاك ضدنا، وأن ندرك أن هويتنا ووحدتنا وسلامة أراضينا ليست للبيع ولا للتنازل، بل هي حصننا المنيع، وأرضنا التي لا تُباع، ونبضنا الحي الذي يجب أن يظل قويا في قلوبنا وأفعالنا وأقوالنا، وسكوتنا ليس حدثا عابرا كما يتوهم البعض، بل هو خيانة عظمى لما بنيناه بعرق وكفاح عبر أجيالنا السابقة.
التحدي الأكبر اليوم ليس في التهديد الخارجي وحده، بل في خوفنا الداخلي من مواجهة الحقيقة، ومن الصدام مع المعتدين، ومن أن يُقال عنا “مبالغون” أو “متشائمون”، لكن مهما يكن، فإن فكرة التسامح مع ضم أراضينا أو التجاهل المتعمد لها لا تُعدّ إلا انحناءً غير مبرر أمام المخططات الخارجية، وكل يوم نصمت فيه يزداد الضباب كثافة، وتختلط الحقيقة بالوهم، ونرى الظلال القاتمة، والمخططات العدائية ماثلة أمام أعيننا ولا نتكلم.
لهذا، على كل مثقف وكاتب ومفكر، وكل مواطن واع أن يرفع صوته وقلمه، وأن يعيّن نفسه جنديا في خندق الوعي الوطني، فلا مجال للتهاون مع من يريدون جعل أرضنا جزءا من مخططاتهم.
علينا أن نقترب، أن نفهم كل التفاصيل، ونكشف الحقيقة للعالم، فإرثنا لن يُمحى أبداً تحت ستار الضباب والخداع والبلطجة التلمودية مهما بلغت التحديات، وسنظل صامدين لحماية أرضنا وهويتنا من كل محاولات الطمس والتزييف.
الهجوم على الأرض والهوية ليس مجرد فكرة جديدة، بل هو مخطط واضح وقديم، ونحن اليوم أمام خيارين: إما أن نصرخ ونكتب، أو أن نواصل الصمت ونترك الضباب يخفي الحقيقة ويمنح المعتدين فرصة لتحقيق أحلامهم. القرار اليوم بين أيدينا: نحمي وطننا بكل قوة ونكتب تاريخنا، أو نسمح لتاريخنا بأن يُكتب بأيدي الآخرين.
إن مواجهة المخاطر تبدأ بإدراك الحقائق مبكرا، وتستمر بالعمل الجاد، والوعي الجماعي، والكتابة الصريحة، والكلمة التي لا تنحني أمام أي تهديد.
فهويتنا وأمننا الوطني ليسا شأنا هامشيا يمكن تأجيله، ولا أرضا ليست لنا يمكن التفريط بها بأي ثمن.
كل صمت عن الحقيقة هو فرصة لمن يسعى إلى فرض مخططاته، وكل لحظة سكوت تُقرب أيدي المعتدين من أراضينا وتزيد خطر محو هويتنا.
لذا علينا أن نرفع أصواتنا وأقلامنا الآن، وأن نجعل موقفنا الصريح — كشعب، وكُتّاب، ومثقفين — درعا يحمي الأرض والهوية من محاولات المسخ والتزوير.
الوطنية ليست شعارات نرفعها، ولا شعورا عابرا بالمواطنة، بل هي التزام دائم بالدفاع عن العرض والأرض حتى الموت، ويقظة دائمة، ووعي بالتهديدات، وإصرار على ألا تُسرق حقوقنا وأراضينا، وألا يُكتب التاريخ على حسابنا.
كل دقيقة صمت هي فرصة لمن يريد سرقة أحلامنا وبلادنا، وكل لحظة تجاهل هي خطوة نحو فقدان ما بنيناه بدماء أجيال من الكد والتعب والكفاح.
علينا أن نفضح كل محاولة لتقويض هويتنا أو طمس تاريخنا أو احتلال أراضينا، فالحقيقة لا تظهر إلا لمن يقترب منها بلا خوف، ولا تردد، وبكل شجاعة. فليكن وعينا سلاحنا، وكلمتنا حصننا، وأقلامنا الحاسمة درعا نحفظ به وطننا من الزوال، ونصون به هويتنا لمئات الأعوام.
الوطن ليس عقارا يُباع أو يُؤجَّر أو يُؤجَّل الدفاع عنه، وليس مجرد شعار يُرفع في المناسبات، بل هو أساس وجودنا، وهويتنا، وروحنا النابضة في كل قلب، كل شبر منه يحمل تاريخ أجيال مضت، وكل حجر يروي حكاية صمود، وكل واد وجبل يشهد أن هذه الأرض لم تُشيَّد بالخوف ولا بالصمت، بل بالوعي والكفاح، وبالعرق والدم، فإن استسلمنا للصمت اليوم، فلن نحاسب غدا إلا أنفسنا، على ما فرطنا فيه من أرض، وما سُرق من حقوق تحت غطاء اللامبالاة.
إن الواجب الوطني يفرض علينا أن نظل يقظين في كل لحظة، نرى في أي محاولة للنيل من أرضنا ــ مهما بدت صغيرة ــ خطرا عظيما، ونكشف كل مسعى لتقويض وحدتنا، ونحمي هويتنا من كل تشويه أو تلاعب بالحقائق والتاريخ، ولا عذر لمن يقول: كنا نعلم ولم نفعل شيئا، فالسكوت في مثل هذه المواقف ليس براءةَ ذمّة، بل مشاركة في الجريمة، وخيانة للضمير، ومسح لجهود الأجداد، وإهدار لكدّهم وكفاحهم.
إننا بحاجة إلى عقلية مقاومة لا تهدأ، لا تخضع لأهواء الآخرين، ولا تلتفت للخوف من كلمة “مبالغون” أو “متحمسون أكثر من اللازم”. الحقيقة أن كل من يرفع صوته ويكتب ويكشف، هو من يبني جدار الحماية الحقيقية للوطن، وهو من يجعل من الكلمة درعا، ومن الفكر سيفا، ومن الوعي حماية للأجيال القادمة. ومن يتهاون اليوم، سيكون شاهدا غائبا حين تُسرق الأرض وتُطمس الهوية، وسيجد نفسه مضطرا لاحقا للاعتراف بأن التخاذل لم يكن مجرد صمت، بل موتٌ أصغر متراكم لكل ما بنيناه بأرواح ودم.
وإذا كان البعض يظن أن الدفاع عن الوطن مهمته الحكومة وحدها، فهو واهم، لأن الوطن ملك للجميع، وكل مواطن هو جندي في خط المواجهة، وكل قلم صادق هو سلاح، وكل صوت صريح هو حصن، ولا يمكن لأحد أن يقرر نيابة عنا مصيرنا، ولا يمكن أن نترك المجال للمخططين اليهود ليكتبوا مستقبلنا وفق إرادتهم. هذا الوعي يتطلب من المثقف والكاتب والمواطن أن يكون يقظا، وأن يراقب كل خطوة، وأن يكتب عن كل محاولة، وأن يحذر من كل تحرك يهدد سيادتنا.
لقد حان الوقت لرفع الصوت ضد أي محاولة لطمس الحقائق، أو تزوير التاريخ، أو مصادرة أراضينا تحت ذريعة “إسرائيل الكبرى”، وعلينا أن نواجه مؤامرات القوم بلا خوف، وأن نرفض كل محاولة للتقليل من أهمية أرضنا أو الاستهانة بحقوقنا، فكل دقيقة صمت هي فرصة لمن يسعى إلى اغتيال هويتنا، وكل لحظة غياب للوعي هي خطوة نحو فقدان ما بنيناه بعزيمة وصبر، فالوطن بالنسبة لنا قضية وجودية، وأي تهاون فيه هو تهاون في كينونتنا ووجودنا، ونحن مدعوون اليوم، بلا تأجيل ولا تردد، لأن نجعل من كل قلم صادق، ومن كل صوت واع، ومن كل وعي جماعي، حصنا يحمي أرضنا وحقوقنا وهويتنا.
إن الدفاع عن الوطن لا يتوقف عند لحظة معينة، ولا عند شخص أو مؤسسة، بل هو مهمة مستمرة وصعبة، وواجب على كل من يعيش على هذه الأرض الغالية، وعلى كل من يحمل قلبا ينبض بالولاء والانتماء، فلا مكان للكسل بيننا، ولا مجال للتسويف، والأرض والوطن لا ينتظران من يفتقد الوعي، والتضحية لا تأتي بالأماني والتمني، بل باليقظة المستمرة، وبالعمل الدؤوب، وبالكلمة الصادقة التي تكشف مكر الظلام وتفضح كل محاولة للتآمر على أرضنا وهويتنا.
فالوعي الوطني اليوم هو درعنا، والصوت الصادق هو سلاحنا، والقلم الصريح الحاد هو خط الدفاع الأول عن الأرض والهوية، وكل من يختار الصمت يشارك في الجريمة دون أن يدري، ويترك المجال مفتوحا على مصراعيه للصهاينة، أبناء جولدا مائير، ليخططوا مستقبلنا بعيدا عن إرادتنا، ويمنحهم فرصة لتحقيق حلمهم بالسطو مستقبلا على ما هو لنا، ويصبح الدفاع عن الوطن ليس خيارا، بل فرض عين على كل من يحمل قلبا ينبض بالحب والانتماء، وكل من يكتب، وكل من يفكر، وكل من يحمي، وكل من يعيش على هذه الأرض الطاهرة بلا استثناء.
كاتب رأي
علينا أن نرفع أصواتنا وأقلامنا الآن، وأن نجعل موقفنا الصريح — كشعب، وكتاب، ومثقفين — درعا يحمي الأرض والهوية من محاولات المسخ والتزوير.
لافض فوك أستاذ محمد
👍👍👍👍