هل أصبحت الإيحاءات في الرواية العربية تجارة مستهلكة؟

هل أصبحت الإيحاءات في الرواية العربية تجارة مستهلكة؟
✍️ فاطمة الغامدي
تُعد الإيحاءات — سواء كانت رمزية، أو اجتماعية، أو حسية — إحدى الأدوات التي يلجأ إليها بعض الكتّاب في الرواية العربية. وقد أثارت هذه الأداة جدلًا واسعًا في المجتمعات العربية المتحفظة والمتديّنة، لكنها في حقيقتها مجرد وسيلة أدبية، يمكن أن ترفع قيمة النص أو تهبط بها، تبعًا لكيفية توظيفها.
ولو طرحنا السؤال: لماذا يستخدم الكتّاب الإيحاءات؟
سنجد أن هناك من يراها أداة فنية للتلميح إلى قضايا حساسة سياسية أو اجتماعية يصعب التصريح بها مباشرة، ومن يعدّها وسيلة لإضفاء عمق أدبي يشارك القارئ من خلاله في بناء المعنى وفتح المجال أمام قراءات وتأويلات متعددة، بينما يرى آخرون أنها لا تتجاوز كونها وسيلة لإثارة الجدل وتطعيم النصوص الضعيفة لتبقى في الذاكرة أطول فترة ممكنة.
على أن بعض الأدباء الكبار وظّفوا الإيحاءات بذكاء، مثل نجيب محفوظ في ثلاثيته، وعبد الرحمن منيف في مدن الملح، وأحلام مستغانمي في ذاكرة الجسد. في المقابل، أسرف آخرون في استخدامها، خصوصًا في بعض الروايات الرومانسية التجارية التي تكثر فيها المشاهد الحسية دون أن تكون جزءًا من البناء الفني، لتتحول إلى مجرد وسيلة لإحداث الضجة واجتذاب القارئ المكبوت.
ونتفق جميعًا أن الفكرة العميقة المحكمة، وبناء الشخصيات، والأسلوب الفني المميز هي الركائز الفولاذية التي تمنح النص قيمته، سواء استخدم الكاتب الإيحاءات أم لم يستخدمها.
ويُلاحظ انحسار الإيحاءات في كثير من الروايات العربية خلال السنوات الأخيرة لأسباب متداخلة، بعضها ثقافي واجتماعي، وبعضها مرتبط بسوق النشر وذائقة القراء. فكثير من الدول ما زالت تفرض رقابة صارمة على المحتوى الذي يتضمن إيحاءات حسية أو رمزية سياسية، مما يدفع الكتّاب إلى التخفيف منها أو تجنبها لضمان النشر والتوزيع. أما جيل الشباب (Young Adult) فتستهويه أنماط مثل المغامرة، الخيال، أو الدراما الاجتماعية الخفيفة، وهي أقل اعتمادًا على الإيحاءات.
إلى جانب ذلك، أسهمت الرقابة المجتمعية ووسائل التواصل في تقليص مساحة هذه الأداة، إذ أصبح أفراد المجتمع قادرين على النشر والتشهير، وهو ما غيّر من ذائقة القراء. كما أن الجرأة انتقلت إلى قنوات أخرى، حيث غدت الإيحاءات الحسية صوتًا وصورة في الدراما والسينما ومنصات العرض، أكثر من كونها عنصرًا روائيًا.
وأخيرًا، لعب الانفتاح الاجتماعي والثقافي دورًا مهمًا في تراجع الحاجة لاستخدام الإيحاءات بالطريقة التي كانت في الماضي، لأن ما كان مكبوتًا أو ممنوعًا أصبح اليوم حاضرًا في وسائل الإعلام والشارع ومنصات التواصل، فلم يعد القارئ بحاجة إلى النصوص الأدبية كـ “نافذة سرية” على تلك الموضوعات.
كاتبة رأي