كُتاب الرأي

بصيص في سماء مثقلة

بصيص في سماء مثقلة

رؤى مصطفى

ما اللعنة التي أظلّت سماءهم؟
أهي شماتة بمبتلى، أم صرخة انفجرت من قلب موجوع فشقّت طريقها إلى القدر؟
أم أن أخطاء السابقين تنتقل من جيل إلى جيل، كظل ثقيل لا يفارق الأحياء؟

منذ ذلك اليوم، صاروا يتقنون فنّ التعايش مع المرارة.
يضحكون بوجوه مرسومة، بينما عيونهم تغلي بصمتٍ كالبراكين المخبأة،
ثم يبكون بصمت، كأنهم يخشون إزعاج الحزن الذي أصبح جزءًا من ملامحهم.

وفي كل فجر جديد، لا يحمل الصباح لهم سوى مصيبة أخرى،
كأن الحزن وجد فيهم بيتًا لا يرحل عنه،
وظل الماضي يلاحقهم في كل خطوة، يعلّمهم أن بعض اللعنات ليست سوى إرث ثقيل من أخطاء لم يُكفَّر عنها.
ورغم كل هذه الظلال يبقى في أعماقهم بصيص صغير من ضوء كهمسة صامتة تقول لهم ان الحزن لن يطول
لكن لا يمكن ان يبقى الأمل إلا إذا تركوا سيطرة الماضي وعادوا إلى بناء انفسهم من جديد🕊️🦋

كاتبة رأي

 

رؤى مصطفي الجعر

كاتبة رأي ومستشارة إعلامية

‫2 تعليقات

  1. ليوم أقف مبهورًا أمام نص يحيي واقع المجتمع ويشرح مشكلات اجتماعية، ورغم أنه مثقل بالحزن، إلا أن جمال مفرداته يجعلك تُكمل قراءته إلى آخر سطر.
    نص تألقت فيه الأستاذة رؤى كأنما هي طبيب جراح يحاول أن يُنقذ ما يمكن.

    عنوان النص لوحده حكاية، ودائمًا أقولها: عنوان المقال أو القصة أو الشعر هو نصف الحكاية.
    والأستاذة رؤى تُجيد التقاط العناوين المبهرة، لاحظتها في أكثر من نص، تُحسن اختيار عنوان النص بإتقان، ووالله إنها تضع العنوان في المكان الصحيح.

    (بصيص في سماء مثقلة)
    العنوان يجذبك لتقرأ، فهي اختارت “سماء مثقلة” وتركت حدس القارئ يتنبأ بالحدث: هل هو مطر؟ هل هي كناية عن صواعق أو رياح؟ هل هو رمز للحزن أو لشيء قادم؟ لكن لا شك أن هناك حدثًا قائمًا.
    واختيارها لفظ “بصيص” كناية عن تفاؤلها بأن هناك ثمة أمل، لأن الليل يعقبه الفجر مهما طال ذلك الليل.

    (واللعنة التي أظلّت سماءهم، أهي شماتة بمبتلى، أم صرخة انفجرت من قلب موجوع فشقّت طريقها إلى القدر؟)
    هنا يبرز الإيمان الكامل عند الأستاذة رؤى بأن الله تعالى مقدّر كل شيء، وأنه لا بد أن هناك خطأ حتى أتت هذه المآسي. دائمًا نلاحظ البعد الإيماني في كتابات الأستاذة رؤى، وهذا شيء رائع لأننا مسلمون مؤمنون ونعلم أنه لا شيء يحدث إلا بأمره تعالى.

    ثم تكمل التساؤلات:
    (أم أن أخطاء السابقين تنتقل من جيل إلى جيل كظل ثقيل لا يفارق الأحياء؟)
    وأقول هنا: أخطاء الآباء والأجداد لا يتحملها الأبناء، مستحيل! فهذا منافٍ لعدل الله تعالى. فما ذنب الأحياء في أخطاء من سبقهم؟ لكني أقول: هذه أقدار الله تعالى على من يشاء من عباده، وليس لنا إلا التسليم، ولعل الله يرفع هذه الغُمّة.

    (منذ ذلك اليوم صاروا يتقنون فن التعايش مع المرارة، يضحكون بوجوه مرسومة بينما عيونهم تغلي بصمت كالبراكين المخبّأة)
    وصف دقيق وفي محله لحالة المرارة التي يشعرون بها، كأني في ثلاثية نجيب محفوظ؛ تصوير دقيق كأنك ترى لوحة أمامك. ما هذا الجمال أستاذة رؤى! أبهرتِني بهذا التصوير، وإن كنت أعلم أن لديك الكثير من الجمال.

    وتستمر في وصف حالة التعايش مع الحزن والمرارة، كأنك تشاهد رواية سينمائية كتبتها الأستاذة رؤى بحروف من الجمال.

    وتختم نصها بالتفاؤل، وهذه رؤى التي أعرفها: متفائلة، تنشر الإيجابية في كل مكان:
    (ورغم كل هذه الظلال يبقى في أعماقهم بصيص صغير من ضوء كهمسة صامتة تقول لهم إن الحزن لن يطول.
    لكن لا يمكن أن يبقى الأمل إلا إذا تركوا سيطرة الماضي وعادوا إلى بناء أنفسهم من جديد).

    يا سلام يا سلام! خاتمة للنص من النوع الفخم، تنهي النص بأمل جديد، بإعادة البناء، بإعادة الثقة. وهذه هي الأستاذة رؤى؛ فهي هنا تضع بصمتها الرائعة لتختمه بأمل قادم، فما بعد الليل إلا الشروق.

    لله دُرك أستاذة رؤى، تكتبين الحروف بنوتة موسيقية عالية الجمال، كأنما تسمعين سيمفونية حالمة في ليلة ربيع مقمرة، أو كأنما تستنشقين عبير النسيم في ليالي الخريف الممتعة.
    ما أجملك أستاذة رؤى، وما أجمل قلمك.

    عبدالله اليوبي

    1. الأستاذ /القدير عبدالله اليوبي

      أي الكلمات يمكن أن تفيك حقك بعد هذا المرور الباذخ وهذا التحليل العميق الذي ألبست به نصي أبعادًا جديدة؟

      وقفتُ طويلًا أمام تعليقك، فأحسست أنني أقرأ نصًا موازيًا، لا يقل جمالًا عن النص الأصلي، بل يضاعف قيمته ويضيء زواياه.

      لقد التقطت خيوط النص كما يلتقط الرسام أدق التفاصيل بريشته، وأعدت صياغتها بروح الناقد العارف بعلم الجمال، وبقلب المحب الذي يقرأ بعين الصديق المخلص.

      ما أروع أن أجد قارئًا كريمًا مثلك لا يكتفي بالمرور، بل يغوص في الأعماق، ويُحاور المفردات، ويضع لها شروحًا تليق بها.

      أبهجني كثيرًا أن تلمح البعد الإيماني الذي أحرص على حضوره في كتاباتي، فهو بالنسبة لي نبض النص وعماده، ولولا اليقين بالله لظلت الحروف معلقة بين الأرض والسماء بلا روح.

      كما أسعدتني إشارتك إلى العنوان، فالحق أنني أومن أن العنوان هو البوابة الأولى للنص، والنافذة التي تطل منها الروح على القارئ، وها أنت تؤكد ذلك بقراءتك المدهشة.

      أما ملاحظتك حول التصوير والمشاهد السينمائية، فهي شهادة أعتز بها، لأنني أكتب دائمًا بدافع أن أرسم مشهدًا محسوسًا يعيشه القارئ كما لو كان أمامه، لا مجرد كلمات عابرة.

      خاتمة تعليقك، التي وصفت فيها النص كأنما هو سيمفونية حالمة أو عبير نسيم خريفي، كانت بحد ذاتها نصًا جماليًا قائمًا، يفيض بالذائقة والروح الراقية التي تميّز قلمك.

      أشكرك أستاذ عبدالله على هذا الوفاء، وعلى هذه القراءة التي منحت النص حياة أخرى، وأهديك امتناني العميق ودعائي أن تبقى قارئًا وناقدًا ملهِمًا، يزرع الثقة ويشجع على المضي في درب الكتابة.

      تحيتي يسبقها تقديري
      رؤى مصطفى🦋🕊️

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى