لا تُلبس الكلام ثوب رغبتك

لا تُلبس الكلام ثوب رغبتك
تلك ليست جملة عابرة تُقال في لحظة انفعال، بل هي وصية فكرية وأدبية، دعوة إلى النزاهة في التلقي والأمانة في الفهم، فكثيرًا ما تفسد العلاقات وتُشوَّه المعاني وتُقلب الحقائق، لا لأن القائل خان المعنى، بل لأن المستمع اختار أن يُلبس الكلام ثوب رغبته، ويُلقي على الحروف ظلالًا من هواه.
الكلمة كالمرايا؛ تعكس لمن ينظر فيها صورة نفسه، فإن كان قلبه صافياً رأى فيها صفاء القصد، وإن كان عكراً لم يرَ إلا ما يريده هو.
كم من حديثٍ جادٍّ قُطِعَت أوصاله بسكاكين التأويل البعيد، وكم من فكرة نبيلة أُغرقت في بحار سوء الفهم لأن المتلقي لم يكن يبحث عن المعنى، بل عن تأكيد لمخزونه من الظنون.
الأمانة الفكرية تقتضي أن نُنصت أولاً بعين القلب قبل أذن الرأس، وأن نتجرد من أهوائنا لحظة استقبال المعنى، فلا نُحمّل النص ما لم يقله، ولا نزرع في بستانه أشواكًا ليست منه، إننا حين نفعل ذلك، لا نظلم القائل فحسب، بل نظلم أنفسنا أيضًا، لأننا نحرمها من فرصة اكتشاف المعنى الحقيقي، ونغلق أبواب الحوار الذي قد يفتح لنا آفاقاً أرحب.
إن أخطر ما يواجه الفكر الإنساني ليس الجهل، بل التأويل المغرض، ذلك الذي يتسلل إلى الكلام كما يتسلل الصدأ إلى المعدن، فيُضعف بنيانه ويشوّه ملامحه، لذا فإن الفهم قبل الحكم، والإنصات قبل الرد، هما حجر الأساس لكل تواصل راقٍ، ولكل حوار يُثمر الحقيقة.
فإن لم تفهم مقصدي، فاصمت حتى تفهم، ولا تفسره بما تريد، لأنك بذلك لا تُترجم كلامي، بل تكتب نصًّا آخر لا علاقة لي به.
“من لم يفهم، فالصمت أكرم له من ظنٍّ يُضلّ المعنى.”
✍️ د. دخيل الله عيضه الحارثي