كُتاب الرأي
عندما يشاء الله فلا حاجة لقوانين الحياة

عندما يشاء الله فلا حاجة لقوانين الحياة
التأمل في مفهوم مشيئة الله وتأثيرها على قوانين الحياة البشرية شيء عظيم، والدعوة إلى الإيمان والرضا بما قدّره الله كطريق للطمأنينة والسلام النفسي يعتبر لغة تحمل طابعًا روحانيًا فلسفيًا، تلهم القارئ وتدفعه للتفكير في العلاقة بين الإنسان ومشيئة الخالق.
لقد اخترت الكتابة في هذا النوع من الموضوعات التأملية عن سابق مقصود؛ حتى نكون أقرب إلى الإحساس بالوجودية للإله سبحانه وتعالى ونستشعر عظمته في كل شأن من شؤون حياتنا، في الصحة والمرض، الفقر والغنى، القوة والضعف، العلم والجهل، النور والظلام، تعاقب الشمس والقمر، تبدل الأحوال وتقلبها إلى غيرها من الظواهر التي لا يتسع المجال لاستعراضها.
ولأننا في مسيرة الحياة، نصادف كثيرًا من القوانين والنظريات التي تحاول أن تفسر لنا طبيعة الوجود، وتحكم تصرفاتنا وسلوكياتنا، وتضع لنا أطرًا محددة لنعيش ضمنها. قوانين الطبيعة، وقوانين الاجتماع، وحتى قوانين النفس والعقل.
الحقيقة كلها قواعد وضوابط نلتزم بها ظنًا منا أن بها نستطيع السيطرة على مجريات حياتنا، ولكن، حينما نتأمل بعمق، ندرك أن هناك قوة أعظم وأسمى تحكم هذا الكون، قوة لا يملك الإنسان أن يحيط بها أو أن يضع لها حدودًا، وهي مشيئة الله التي تحكم كل شيء بلا استثناء. هذه المشيئة الإلهية هي التي تتجاوز كل قوانين الحياة التي صنعها البشر، لأنها ليست مجرد قواعد تصدر عن عقل محدود، بل هي حكمة ربانية شاملة، تُحرك الأشياء وتُحدد الأقدار، بلا تراجع أو تعديل.
حين يشاء الله، يصبح كل شيء ممكنًا، فتتحول الظروف، وتنقلب المعادلات، وتتغير المسارات، حتى ولو بدت لنا مستحيلة في ظاهرها. هنا لا يكون القانون هو الحاكم، بل الإرادة الإلهية التي لا تقبل النقاش. هذا لا يعني أن قوانين الحياة بلا قيمة، لكنها تظل أدوات يستخدمها الله في تحقيق مشيئته، وليس العكس.
إن الإيمان بهذا الأمر يمنحنا طمأنينة عميقة، فنحن لا نُقيد أنفسنا بصعوبات أو مصاعب تبدو لنا نهاية الطريق، بل نثق بأن هناك دائمًا من يملك القدرة على تغيير ما نعتقده ثوابت لا تتغير. الإيمان يشجعنا على التفاؤل والصبر، ويعطينا معنى للحياة يتجاوز حدود المنطق البشري.
وهنا، في هذه القناعة، يولد الأمل الحقيقي: أمل يتغلب على اليأس، وقوة تقهر العجز، وسعادة تسكن القلوب رغم العواصف. لأننا نعلم أن الحياة ليست مجرد قوانين جامدة، بل هي قصة كُتبت بمشيئة الله، ولكل منا دور فيها مهما كانت الظروف.
فلنترك لأقدارنا مجراها، ولنثق بأن الله هو الحاكم الأعظم، وأنه حين يشاء، لا حاجة لنا إلى قوانين الحياة، بل إلى قلب مؤمن يتقبل واثقًا وراضيًا
المنعطف الأخير:
قبل أن أختم، تظل مشيئة الله هي القانون الأسمى الذي لا يعلى عليه، وهي الحكمة التي تستحق أن نسلم لها قلوبنا وعقولنا. حين نُدرك هذا، تتبدد مخاوفنا، ويزول شعورنا بالعجز، لنرتقي فوق كل قوانين وضعها الإنسان، ونعيش حياة مفعمة بالإيمان والسكينة. فلتكن ثقتنا بالله نبراسًا يضيء دروبنا، ولنقبل بأن ما قدره لنا هو خيرٌ لنا، مهما بدت الأحداث عكس ذلك. لأنَّ في مشيئة الله حياةً، وفي التسليم لها سلامًا لا يُضاهى.