كُتاب الرأي

وسائل السلامة في المدن الترفيهيه

عبد الله بن سالم المالكي

وسائل السلامة في المدن الترفيهيه

 

في عالم يتّسع فيه الشعور بالضغط، وتتسارع فيه وتيرة الحياة لدرجة قد تُفقد الإنسان توازنه بين واجباته ومساحاته الشخصية، تبرز مدن الملاهي كملاذٍ سحريٍّ، لا يقتصر دورها على الترفيه فقط، بل يتجاوز ذلك ليصنع عوالم من الخيال، تعيد للأرواح بريقها، وللقلوب اندفاعها فليست تلك المدن مجرد أماكن تعجّ بالصراخ وضجيج الألعاب الكهربائية، بل هي مسارح نابضة بالدهشة، تكتب فيها الطفولة حكاياتها، ويمارس فيها الكبار متعتهم المؤجلة منذ زمن.

لقد أصبحت مدن الملاهي ـ خاصة الحديثة منها التي تتنوع بين الترفيه التقليدي القائم على الألعاب الميكانيكية، والعوالم الرقمية المعتمدة على تقنيات الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي ـ محطات حضارية، تعكس مدى تطور المدن، واهتمام المجتمعات بجودة الحياة، إذ لم تعد ترفاً كما في السابق، بل غدت ضرورة مجتمعية، تسهم في تهذيب السلوك النفسي، وتخفف من ضغوط العمل والتعليم، وتؤسس لمساحات من التفاعل الأسري والاجتماعي في بيئات آمنة ومنظمة.

والألعاب الكهربائية، على اختلاف أشكالها بما فيها تلك التي تلامس حدود المغامرة كقطارات الموت والأراجيح العالية، إلى الألعاب الطفولية الهادئة والمركبات الدوارة التي تبعث على السرور دون رهبة، ليست أدوات للتسلية فقط، بل تجارب حسيّة ونفسية مركبة، تُشعل في الداخل تفاعلات من الفرح والخوف والانبهار، وكأنها تمرينات وجدانية على التوازن بين الحذر والاندفاع، بين المتعة والقلق، وهي في مجملها، وإن بدت بسيطة، تساهم في بناء شخصية الطفل، كما تفتح نوافذ التحدي أمام الكبار ليعيدوا اكتشاف أنفسهم من جديد.

ومن المهم أن نشير إلى البعد الاقتصادي والاجتماعي لتلك المدن، فهي تخلق فرصاً وظيفية متنوعة، وتدعم الصناعات المحلية المرتبطة بالترفيه، من بيع الألعاب والوجبات السريعة إلى تصميم المساحات الخضراء وتنظيم الفعاليات؛ بل إن بعض المدن الترفيهية الكبرى باتت تشكل رافداً سياحياً مهماً، تُشدّ الرحال إليها، وتُبنى حولها المشاريع الفندقية والخدمات اللوجستية، مما ينعكس بشكل مباشر على حركة السوق، ويمنح المدينة بُعداً ثقافياً وحضارياً إضافياً.

لكن في مقابل هذه الإيجابيات المتعددة، يجب ألا نغفل أهمية العناية بجوانب الأمن والسلامة، إذ إن الألعاب الكهربائية ـ مهما بلغت درجة الإتقان في صناعتها ـ تبقى عرضة للعطب أو سوء الاستخدام، مما يفرض على الجهات المسؤولة مراجعة أنظمة التفتيش والصيانة بشكل دوري، وتطبيق معايير عالمية تضمن سلامة الزوار، خصوصاً في ظل الإقبال الكثيف، والمواسم الترفيهية الممتدة التي تشهدها المدن الكبرى.

وتشمل الاحتياطات الأمنية المحافظة على السلامة المرورية داخل مدن الملاهي وتنظيم حركة المشاة والسيارات منعاً لما قد يقع من حوادث دهس لا سمح الله .

وفي النهاية، تظل مدن الملاهي شاهداً على حاجة الإنسان الدائمة للفرح؛ لحظة يتعطل فيها المنطق لصالح العاطفة، ويتراجع الهمّ أمام ضحكة طفل، أو صرخة مغامر، أو نظرة أم تراقب أبناءها وهم يعيشون لحظة حرة لا تشبه سواها؛ ولهذا، فإن بناء مدينة ترفيهية لا يعني فقط تشييد أرض واسعة مزروعة بالألعاب، بل يعني خلق فسحة من الحياة، تضيف للمدينة نبضًا آخر، لا تقرأه الأجهزة، بل تسمعه القلوب مع الحرص الشديد على السلامة الأمنية بجميع جوانبها لتحقق السعادة المنشودة بإذن الله .

كاتب رأي ومستشار أمني

عبدالله سالم المالكي

لواء.م - كاتب صحفي - مستشار أمني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى