كُتاب الرأي
(فن العتاب)

(فن العتاب)
……..
العتاب فن يحتاج إلى حكمة ، الافراط فيه يجرح ، وبإهمالهُ يتكرر الخطأ..
العتاب تعبير عن لوم أو تأنيب لطيف موجه لشخص ما ، لعدة أسباب ، مع الاحتفاظ بمشاعر المودة ، وهو أسلوب لفت الانتباه إلى خطأ أو إساءة دون قسوة ، بهدف إصلاح العلاقة وليس قطعها..
يقول أرسطو:”العتابُ فنٌّ ، إنْ أفرطْتَ فيه أفسدتَ ، وإنْ قلَّلْتَه ضاع الحق”..
تتنوع أسباب العتاب حسب الموقف والعلاقة بين الأشخاص أبرزها: (التقصير في الواجبات والمسؤوليات – عدم الوفاء بالوعود أو الاتفاقيات – الإساءة اللفظية أو السلوكية – التصرف بغرور أو عدم الاحترام – الإهمال العاطفي أو الاجتماعي – الانشغال الدائم وقطع التواصل مع الأصدقاء أو الأسرة – خيانة الثقة مثل كشف الأسرار أو الغدر أو عدم الوفاء في العلاقات – التصرفات الأنانية مثل التركيز على المصالح الشخصية دون مراعاة للآخرين – استغلال العلاقات لمكاسب ذاتية – الاختلاف في القيم أو التوقعات – سوء الفهم الناتج عن اختلاف وجهات النظر – توقعات غير مُعلنة مثل توقع دعم معين دون التعبير عنه – الإضرار المادي مثل التسبب في خسائر مالية أو الاضرار المعنوية مثل التشهير)..
يلجأ الإنسان للعتاب لعدة دوافع منها : (لفت الانتباه إلى الخطأ لإصلاحه – التعبير عن الألم أو الخوف من فقدان العلاقة – المطالبة بالعدل أو الاعتذار – استعادة التوازن النفسي بتفريغ الغضب الداخلي والتخلص منه)..
يحتاج فن العتاب لعدة عناصر كي ينجح ويؤتى ثماره أبرزها:
استخدام (اللطف) في الأسلوب واختيار الكلمات الرقيقة الواضحة التي تُعبّر عن مكنون العتب ، يقول ابن خلدون:”إذا كان العتابُ ضرورةً فليكن برفق ، فإنَّ القسوةَ تُبعِدُ القلوب”..
(خفض الصوت) أثناء العتاب والنقاش والأخذ والعطاء وتجنب الصراخ والانفعال..
(الهدوء) على المُعاتِب أن يكون هادئاً أثناء طرح موضوع العتاب..
(الابتسامة) على المُعاتب أن يحتفظ بابتسامة رقيقة كي يكسب حوار العتاب ويحافظ على عدم تصعيد الموقف أثناء العتاب..
(الشفافية) توضيح سبب الأذى دون مبالغة أو تهويل..
(الحفاظ على الاحترام) تجنب الهجوم أو التجريح وضبط النفس أثناء العتاب..
(الرغبة في الاستمرار) إظهار أن الهدف هو التفاهم لا العقاب ، استمرار العلاقة بكل ود ، لا القطيعة..
العتاب ليس دائمًا سلبياً ، بل قد يكون فرصة لإصلاح العلاقات إذا وُجِّه بطريقة مهذبة وبناءة..
يقول مصطفى صادق الرافعي:”إذا عاتبتَ فأوجز ، فإنَّ طول العتاب يُذهبُ هيبته”..
في التعاملات يُمكننا تجنب العتاب عبر التواصل الواضح وذكر التوقعات مسبقاً ، والاعتراف بالخطأ والاعتذار عند التقصير ، مع الالتزام بالحدود واحترام مشاعر الآخرين ، التركيز على التواصل والاحترام المتبادل هو المفتاح..
يقول ابن سينا:”العاقلُ لا يعاتبُ إلا ليُصلح ، لا ليُؤذي”..
قد يكون تحدياً قوياً لنا في حالة أجبرتنا الظروف ونمط الحياة على التعامل مع شخص كثير العتاب ، لكن يجب علينا فهم دوافعه واتباع استراتيجيات واضحة يمكننا من خلالها التعامل معه ، منها:
-أن نُحسّن التواصل معهُ ونُقلل التوتر فيما بيننا ، قد يكون العتاب المتكرر من قِبله تعبير عن احتياج غير مُلبَّى مثل الحاجة للاهتمام ، الاحترام ، أو الشعور بالأمان ..
-أحيانًا كثرة العتاب منه بدافع الخوف من الفشل والهروب من عتاب الناس له وانتقاده ، فيقوم المُعاتب باستخدام استراتيجيّة -قلب الطاولة- بمعنى قبل أن تُعاتبني وتنتقدني سوف أُعاتبك وأنتقدك..
-وضع حدود واضحة فيما بيننا وبين الشخص كثير العتاب وأبداء رغبتنا بعد تقدير رأيهُ ، والتوضيح له بأن كثرة العتاب تُشعرنا بالإحباط ، وخاصة إذا كان العتاب غير مبرر..
-تشجيع التواصل الإيجابي تقديم بدائل كقولنا لهُ: “بدل من مُعاتبتي على ما لم أفعلهُ ، أخبرني بما تحتاجه مني مباشرةً”..
-مدح جهود كثير العتب عندما يُعبّر عن استيائه بطريقة بناءة وتفهّم مشاعره دون استسلام ، التعاطف معه دون قبول اتهامات غير عادلة..
-تجنب تصعيد الحوار مع كثير العتاب وخاصة إذا كان العتاب من قِبلهُ بهدف إثارة الجدل..
-قيّم العلاقة مع كثير العتب إذا كان العتاب دائماً وغير عقلاني ، فكّر في مدى أهمية هذه العلاقة لك ، وما إذا كانت تستحق الجهد العاطفي التي تُبذل من أجله..
-تذكّر ليس كل عتاب يستحق التفاعل ، اختر معركتك بحكمة ، بعض الناس لا يغيرون سلوكهم ، وحينها قد تحتاج لتقليل التفاعل معهم لحماية سلامتك النفسية..
يقول: الإمام علي بن أبي طالب:”لا تعاتب الجاهل فتؤذي نفسك”..
يجب وبقوة في التعامل مع البشر أن نكون على وعي كبير ونستطيع التفريق بين :(العتاب وبين التدقيق الزائد) ، نحنُ كبشر نتقبل العتاب ونهرب من التدقيق الزائد ، إليك قارئي الفرق بينهما:
-العتاب توجيه لوم لطيف أو تذكير بلطف بشأن خطأ أو تقصير ، بهدف الإصلاح دون إيذاء المشاعر ، الغرض منهُ تصحيح السلوك مع الحفاظ على الاحترام والمودة ، ولهُ تأثير في تقوية العلاقات إذا كان بنّاءً ، لأنه يعبر عن اهتمام ويكون بأسلوب لطيف..
-التدقيق الزائد هو التفتيش والتركيز المبالغ فيه على أخطاء الآخرين أو أي تفاصيل صغيرة مع إهمال السياق أو النوايا ، بغرض غير هادف ، أو محاولة للسيطرة أو إظهار التفوق ، ويكون بأسلوب قاسي أو متكرر ، وله تأثير سيء فهو يسبب توتراً في العلاقات ويضعف الثقة ، وقد يؤدي إلى تجنب التواصل..
الفرق الجوهري بينهما “العتاب” بناء ويركز على حل المشكلة ، بينما “التدقيق الزائد” تدميري ويركز على العيوب..
يقول كونفوشيوس:”العتابُ مثل المطر ، إذا كان خفيفاً نفع ، وإذا كان غزيراً دمَّر”..
الاعتدال مطلوب؛ حتى العتاب يمكن أن يتحول إلى تدقيق زائد إذا تكرر أو خرج عن حدود اللباقة..
يقول الحسن البصري:”إذا أردتَ أن تعاتب فأغمضْ عينيك عن بعض الزلل ، لئلا تتحول المودةُ إلى عداوة”..
……..
الكاتبة:أحلام أحمد بكري