المشي: رياضة بسيطة.. وأثر عظيم

المشي: رياضة بسيطة.. وأثر عظيم
المشي، ذلك الفعل البسيط الذي نمارسه منذ الطفولة، قد يغفل كثير من الناس عن أثره العميق في تحسين نوعية حياتهم، رغم أن فوائده تمتد لتشمل الجسد والعقل والروح.
هو ليس مجرد انتقال من مكان إلى آخر، بل هو وسيلة صحية وآمنة لتحريك الجسد وتنشيط الذهن وتفريغ الضغوط اليومية.
فمن الناحية الجسدية، يُعد المشي من أفضل الأنشطة الهوائية التي تُسهم في تنشيط الدورة الدموية، وتعزيز صحة القلب، وتقوية العضلات، وتنظيم مستويات السكر في الدم، والمساعدة على خفض ضغط الدم والكوليسترول.
كما يساهم في خفض الوزن بطريقة طبيعية، خاصة إذا تم بانتظام وبسرعة معتدلة.
ويكشف الطب الحديث عن حقيقة مدهشة: أن الجسم أثناء التعرّق خلال المشي يتخلّص من ما يُعرف بـ “هرمون الكسل”، وهو مزيج من مواد تثبّط النشاط الجسدي وتبعث على الخمول؛ هذا الهرمون يتراكم بفعل قلة الحركة والجلوس الطويل، لكن العرق الناتج عن المشي يُسهم في طرده من الجسم، مما يجعل الإنسان بعد المشي يشعر بخفة، وحيوية، ونشاط ملحوظ، فكأنما يغتسل الجسد من داخله ليعود أنقى وأقوى.
أما من الناحية النفسية، فالمشي يُعد صديقًا للعقل؛ إذ تشير الدراسات إلى أن المشي يساعد على تقليل التوتر، وتحسين المزاج، ومكافحة الاكتئاب والقلق. يكفي أن يخرج الإنسان في نزهة قصيرة بين الطبيعة أو في جو هادئ ليستشعر صفاء الذهن وراحة القلب، إن خطوات المشي تُهدّئ ضجيج الفكر وتُنقّي ازدحام الخواطر.
بل إن للمشي بعدًا روحيًا أيضًا؛ فحين يمشي الإنسان في هدوء، بعيدًا عن زحام العالم الإلكتروني، قد يجد فرصة للتأمل في الكون، وشكر النعم، واستعادة التوازن الداخلي، في لحظة صادقة مع النفس، قد يتحول الطريق إلى مساحة للتفكر والتواصل مع الذات.
والجميل في رياضة المشي أنها لا تحتاج إلى أدوات ولا إلى اشتراكات باهظة، ولا إلى أماكن مخصصة؛ بل هي في متناول الجميع، صغارًا وكبارًا، ويمكن دمجها بسهولة ضمن روتين الحياة اليومية.
إن خمسًا وعشرين دقيقة من المشي يوميًا كفيلة بإحداث فرق حقيقي في صحة الإنسان الجسدية والنفسية، ولو علم الناس ما في المشي من خير، لما تركوا الفرصة تفوتهم يومًا دون أن يخرجوا إلى الحياة بخطواتهم، يزرعون في دربهم الصحة والأمل، ويتخلّصون في عرقهم من كسلٍ لطالما كبّلهم دون أن يشعروا.
لقد خُلقنا لنسير، لنمشي، لنعمر الأرض بخطانا، كما قال الله تعالى: ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ﴾ الملك (الآية 15)، ولم نُخلق لنقضي أعمارنا على الأرائك والسرر، ننتظر الصحة أن تأتي ونحن قاعدون. فلنقم، ولنمشِ، ففي كل خطوة حياة.
بقلم: د. دخيل الله عيضه الحارثي