الإنجليزية التي ودعها بالدم

الإنجليزية التي ودعها بالدم
لم يكن محمد القاسم -رحمه الله- طالبًا عاديًا، بل كان شابًا سعوديًا طموحًا، كان وجهه مشعا بالبشر والسعادة والأمل ،محباً للخير متطوعا في الحرم المكي الشريف يساعد الحجاج والمعتمرين مبتسما لهم، شغوفا بالعطاء والعمل والجد.
حمل حقيبته المليئة بالأحلام وسافر إلى بريطانيا من أجل تعلم اللغة الإنجليزية، تلك المهارة التي أصبحت شرطًا أساسيًا للالتحاق بالكثير من الوظائف.
لم يكن في نيته سوى العودة إلى وطنه أكثر جاهزية لخدمة بلده، مزودًا بلغة العصر وأدوات المستقبل، ولكن للأسف.
فرياح النجاح لم تأتي على ما يحلم بها محمد ولم يكن يدري أن رحلته هذه ستُكتب لها نهاية مأساوية، وأن طموحه سيتحول إلى قصة وجع تُروى على ألسنة الشباب، وتحمل في طياتها سؤالًا موجعًا: لماذا اضطر محمد للسفر أصلًا؟
قُتل محمد إثر طعن غادر من مجموعة مجرمين بعد شجار افتعله أحدهم ، ثلاثة مجرمين في إحدى المدن البريطانية قتلوه بدم بارد ، لينضم إلى قائمة الشباب الذين خسرناهم في الغربة، لا لذنب سوى سعيهم وراء فرصة، وفرصة فقط.
قصة محمد ليست استثناءً، بل هي ناقوس خطر يدق أبواب المسؤولين عن التعليم والتدريب
لماذا لا تزال اللغة الإنجليزية –وهي أحد مفاتيح النجاح في سوق العمل– تُدرّس بشكل محدود أو غير فعّال في كثير من الجامعات والأكاديميات والمراكز التعليمية؟
لماذا يُترك شبابنا ليبحثوا عن لغتهم الثانية في دولٍ لا تضمن لهم الأمن؟
ألا يمكن أن نعيد النظر في برامج اللغة في مؤسساتنا التعليمية؟
أليس من الأجدى أن نُطلق مبادرات وطنية قوية تُعلّم اللغة الإنجليزية بشكل فعّال وآمن داخل الوطن؟
السنا بحاجة إلى عشرات البرامج التدريبية لتعليم اللغات في الجامعات الغير منفذة لبرنامج تعليم اللغة الإنجليزية ؟!
ومن هنا، فإن أحد الحلول الجذرية يتمثل في إلزام الجامعات التي لم تفعل برامج تعليم اللغات بفتح برامج دبلومات تعليم اللغة الإنجليزية بشكل موسع، على مدار العام، بما يتناسب مع احتياجات الشباب وطموحاتهم المهنية.
برامج مرنة، معتمدة، وتُدار بكفاءة، تُغني الطالب والطالبة عن تكبد عناء السفر، وتجنّبه مغامرة لا يُعرف كيف تنتهي.
الشاب النبيل محمد القاسم لم تقتله اللغة،، بل غياب برامج تعليم اللغة في بعض المؤسسات التعليمية الآمنة والفعّالة هو ما دفعه إلى السفر والطريق المجهول.
لا نلوم الطموح، الذي دفعه
بل نلوم تقصيرنا في توفيره بشكل موسع في برامج معتمدة
ولا نلوم الخارج في عدم ضمانهم لأمان شبابنا بل نلوم غياب البدائل
آن الأوان أن نعيد النظر في استراتيجيات البرامج التعليمية، ونعيد جدولة البرامج التعليمية ونمنح أبناءنا فرصة لتعلم اللغة والمهارات داخل حدود الأمان، داخل وطنهم العظيم الآمان،
فرحمة الله عليك يا محمد…
كنت تطلب اللغة، فقتلتك الغربة
د. عبدالرحمن الوعلان