من ضغوط الحياة إلى متعة التعلم

من ضغوط الحياة إلى متعة التعلم
كيف نحول الأعباء إلى خبرات ثمينة؟
لا يكاد يخلو إنسان على وجه الأرض من الضغوط، فهي جزء أصيل من مسيرة الحياة، وتتنوع أسبابها بين متطلبات العمل، والعلاقات الاجتماعية، والمواقف المفاجئة، والتحديات الصحية، والتغيرات الاقتصادية.
غير أن الفرق الجوهري بين الناس لا يكمن في عدد الضغوط ولا شدتها، بل في كيفية التعامل معها، وهل تُستثمر لتصبح دافعاً للنضج والتعلم، أم تتحول إلى أعباء نفسية وجسدية تؤدي إلى ما يُعرف بـ “أمراض العصر”.
فالضغوط بحد ذاتها ليست سلبية دائمًا، بل قد يتكون دافعًا نحو التغيير والنمو.
الفرق بين الضغط البنّاء والضغط الهدّام هو طريقة التفكير، من ينظر إلى الموقف بوصفه فرصة للتعلم والتطوير، يختلف عن من يراه نهاية العالم، فالعقل الواعي يدرك أن كل تجربة تحمل في طياتها درسًا، حتى لو كانت مؤلمة.
من أهم مصادر الطمأنينة التي تُعين على تجاوز الضغوط، الإيمان بأن الله أعلم بحالنا منا، وأنه لا يكلّف نفسًا إلا وسعها، هذه الحقيقة القرآنية العظيمة تُعيد التوازن النفسي، وتُخفف الشعور بالاختناق، وتزرع في النفس يقينًا بأننا لسنا وحدنا في وجه المصاعب، وأننا نملك من الطاقة والعقل والصبر ما يعيننا على التحمل، بل وعلى التحول إلى ما هو أجمل، وقد منحنا الله العقل لنفكّر، وقوة الصبر لنثبت، وشعلة الأمل لنؤمن بأن وراء كل ضيق فرجًا، وأن غدًا قد يكون أكثر إشراقًا مما نتخيل.
عندما يُقابل الإنسان موقفًا ضاغطًا، يمكنه أن يسأل نفسه: ما الذي يمكن أن أتعلمه من هذا؟ كيف يمكن أن أخرج من هذا التحدي أقوى مما كنت؟ ما المهارة التي تنقصني، وعلّمني هذا الظرف أن أحتاجها؟ هكذا يتحول الضغط إلى معلّم داخلي، لا إلى سجان نفسي.
تدوين الأفكار والمشاعر وقت الأزمات يساعد على تحليلها وفهمها، التأمل أو حتى الجلوس الصامت بوعي قد يكشف للإنسان أن بعض الضغوط ليست حقيقية، بل هي من صنع التوقعات المبالغ فيها، أو نظرة مثالية زائفة، حينها، يتحول الضغط إلى لحظة اكتشاف داخلي عميق.
كثير من الضغوط ناتجة من مقارنات غير واقعية مع الآخرين أو مع صور مثالية في أذهاننا.
حين يتعلم الإنسان أن يتعامل مع الحياة كما هي، وليس كما “ينبغي” أن تكون، يصبح أكثر رضا وأقل عرضة للقلق والهم، فالضغوط قد تخفّ عندما يُخفف الإنسان عن نفسه حمل الكمال.
أعظم القادة والمفكرين والمبدعين لم يُصقلوا في أوقات الراحة، بل وسط الأزمات.
الضغط يعلّم الإنسان مهارات مثل: الصبر والمرونة، وفن اتخاذ القرار تحت ضغط، والتواصل بوضوح رغم التوتر، وإدارة الوقت والطاقة، وترتيب الأولويات، وهكذا يتحول الضغط إلى ورشة عمل للحياة، لا إلى عبء ينهك الجسد والعقل.
لذا يجب على الإنسان أن يشكر الله في وسط المحن كما يشكره وقت المنح، فالامتنان يعيد برمجة الدماغ ليرى النور في العتمة.
قد يكون الضغط اليومي في العمل فرصة لبناء مستقبل، أو الضيق من موقف عائلي فرصة لفهم نفسك أكثر، كلما درّبت نفسك على الامتنان، قلّت سطوة الضغوط على روحك.
الحياة لن تخلو من المصاعب، ولكن الإنسان يمتلك أعظم أداة في مواجهتها: عقله وروحه وإيمانه، فمن ينظر إلى الضغوط باعتبارها ميدانًا للتعلم وتوسيع الأفق، يعيش أكثر سكينة، وينجو من أمراض العصر التي تبدأ غالبًا من تراكم التوتر والهم.
فلنجعل من كل ضغط بابًا، ومن كل تجربة سلّمًا، ومن كل عثرة مدرسة… وسنكتشف أن الحياة، رغم ما فيها، لا تزال تستحق أن تُعاش بشغف وتعلّم.
بقلم: د. دخيل الله عيضه الحارثي
👍👍👍👍