كُتاب الرأي

(ثرثار)

(ثرثار)

……..
الثرثرة الزائدة تُفقد الكلام قيمته ، فحين يعتاد الإنسان على التحدث دون توقف ، يصبح صوته مجرد ضجيج مألوف لا يُنصت له ، هنا تكمن الحكمة في فن (الصمت الاستراتيجي) الذي يحوّل الثرثرة من نقص إلى قوة..
يقول أوسكار وايلد: “الثرثرة هي فن قول لا شيء بطلاقة”..
كان هذا حديثي وجوابي لمتابع لي سأل سؤال بسيط ، أثار في داخلي نقاشات كثيرة أحببت طرحها لكم قرائي الأعزاء في هذا المقال ..
أشتكى متابعي بأنه عندما يتكلم ويدخل في نقاشات مع عائلتهُ وأصدقائه يجد منهم عدم الإنصات أحياناً أو مخالفتهُ الرأي أحياناً أخرى ، فقلت له بشكل بسيط عليك بإلتزام الصمت مع العائلة وغيرهم وأكتفي بالابتسام ، حتى يصبح كلامك مطلب لهم وشي يتمنونهُ منك ، وأنت وقتها فكّر هل سيكون حديثك ذو فائدة وقيمة عندما تتكلم معهم وتقول رأيك وتناقش الشيء الذي طُلب منك أو سألوك عنه..؟!
عندها ياسيدي أبدأ الحديث ، فقيمة كلامك راجع لك ، ولأهمية الموضوع الذي سيتداول بينكم..
يقول سقراط:”إذا كان ما تريد قوله ليس أجمل من الصمت ، فلا تقله”..
انتهى كلامي معه ، بعدها بدأت أُفكر وأسأل : كيف يمكن للثرثار الذي يملأ كلامهُ المجالس ولا يستمع له أحد ويتم تهميشهُ أو إسكاتهُ أو مخالفتهُ الرأي ، كيف يجعل كلامة ذو قيمة ومسموع..؟!
فتوصلت لعدة طرق ، لو أتبعها  واتقنها ، وقتها حديثه سيكون ذو قيمة ومطلوب من الكل ، ووضعت نُصب عيني قبل أي شيء قول ابن المقفع:”من كثر كلامه كثر سقطه”..
عليه والكلام لكل قارئ يحتاج أن يُطوّر من مهارة الحوار أولاً:
 أن يصاحب الصمت الذي سيخلق لهُ الندرة ، عندما يندر الكلام يصبح كل تعليق حدثاً يُنتظرهُ الناس ، يبدأون بملاحظة الغياب عن الحديث ، فيتحول الحضور إلى شيء ثمين ، مثل لوحة فنية بيضاء تُعلق في مكان بارز ، بالصمت نصبح أكثر إثارة من كلمات الآخرين..
يقول أرسطو:”الصمت فضيلة الحمقى ، وحكمة العقلاء”..
ثانياً: التحول من مُتحدث إلى مُستمع ، عندما نتوقف عن ملء الفراغ بالكلام ، نكتشف أن الصمت مغناطيس يجذب آراء الآخرين ، فجأةً سنجد الناس يطلبون أراءنا لأننا لم نعد ذلك الشخص الذي يسابق الجميع بالكلام..
يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-:”إذا تم العقل نقص الكلام”..
ثالثاً: علينا أن نستخدم الاقتصاد اللغوي ، نجرب أن نعُد كلماتنا كما نعُد نقودنا ، نجعل كل جملة كجوهرة وسط عُقد ، وسنجد الآخرين يطلبون المزيد بدلاً من تشتيت انتباههم بالتفاصيل الزائدة..
تقول الحكمة الصينية:”الكلام مثل الدواء ، إن زاد عن حده تحول إلى سم”..
رابعاً: استخدام الصمت كسلاح اجتماعي في الاجتماعات أو النقاشات ، نجرّب أن نلتزم الصمت في البداية ، هذا الصمت سيثير فضول المحيطين بنا ، وسيدفعهم لاستدراج رأينا بكلمات مثل: “نريد سماع وجهة نظرك ، ما رأيك في هذا ؟”.
يقول المثل العربي:”لسان العاقل وراء قلبه ، وقلب الأحمق وراء لسانه”..
خامساً: علينا معرفة الوقت المؤثّر للحديث لوضع الكلمة في مكانها الصحيح وتوقيتها الدقيق ، الإنسان الذكي هو الذي يعرف متى يسكت ومتى يتكلم ، هذا الصمت المُدار يجعل كلامك حين يأتي مثل لمعة البرق في الظلام..
يقول كونفوشيوس:”الكلمات يجب أن تُقال بحكمة ، لأنها قد تؤذي أكثر من السيف”..
سادساً: علينا الهدوء وضبط الانفعالات أثناء إدارة الحوار ، ليس كل كلمة تحتاج رد ، ولا كل موضوع يحتاج نقاش ، ولا كل تصرف من الطرف الآخر يحتاج ردة فعل من قِبلنا ، ولنتذكر قول شاعرنا أبو الطيب المتنبي:”إذا نطق السفيه فلا تجبه ، فخير من إجابته السكوت”..
 إذا حافظنا على توازننا النفسي وأشغلنا العقل والفكر في كل ما حولنا أستطعنا كبح جماح الرغبة في كثرة الكلام والثرثرة ولزمنا جانب الصمت ومراقبة الآخرين ، هُنا تُخلق الهيبة في الحضور أمام الناس..
يقول المثل اليوناني:”الكثيرون يتكلمون كالحكماء ، لكن الحكيم يعيش كالإنسان الصامت”..
ليس المطلوب أن نتوقف عن الثرثرة بل أن نتعلم كيف نجعل صمتنا يصرخ ، كي يُطلب كلامنا ، حينها لن نكون مجرد صوت في الزحام ، بل محوراً للنقاش ، عندها فعلياً سوف يطلب الآخرون الاستماع لكلامنا..
…….

الكاتبة :أحلام أحمد بكري

أحلام أحمد بكري

كاتبة رأي وقاصة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى