” لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر”

ابتسام عبدالعزيز الجبرين
” لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر”
في خضمّ سعينا المستمر نحو تحقيق الطموحات وجمع المكاسب وتجاوز الحدود ، قد يغيب عن أذهاننا أن هناك قوانين خفية تحكم هذا الكون، وسنناً وضعها الله عز وجل لا تتبدل ولا تتغير ، مهما بلغت إرادة الإنسان من قوة أو طموح. ومن هذه السنن الثابتة ، أن بعض الأمور ليست لنا ، ولن تكون ، مهما اجتهدنا أو حاولنا ، وهذا لا يعني ضعفاً ولا عجزاً ، بل حكمة يجب أن تُفهم ، وحدّ يجب أن يُحترم.
ويجسد هذا المعنى قول الله تعالى : “لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون”.
هذه الآية القرآنية تحمل بين طياتها درساً عميقاً في الرضا بالقدر .
فكما أن الشمس لا يمكنها أن تلحق بالقمر ، ولا أن تسبقه ، كذلك الإنسان لا يمكنه إدراك كل ما يشتهي ، ولا أن يبلغ كل ما يطمح إليه. فلكل منا “فلكه” الذي يدور فيه ، وحدوده التي لا ينبغي أن يتجاوزها ، كما أن له ما كُتب له من رزق وعلاقات وفرص وأقدار ، لا تزيد ولا تنقص.
في بعض الأحيان ، نقف أمام أبواب مغلقة ، نحاول فتحها بكل وسيلة ، ولا نعلم أن الخير في أن تظل مغلقة. نحزن على أمور لم تحدث ، ونجهل أن في وقوعها ضرراً لم نكن لنتحمله .
نتمسك بأشخاص أو أحلام أو أماكن ، ونرفض فكرة فقدانهم ، مع أن الفقد في بعض الأحيان هو عين الرحمة.
نغضب لأن شيئاً لم يتحقق ، لكننا لا ندرك أن الله لطف بنا، ومنع عنا ما لم يكن لنا ، لأننا لم نُخلق له، ولم يُخلق لنا.
الرضا لا يعني الاستسلام أو الكسل، بل هو القبول بأن الحياة لا تُعطي كل شيء، وأن الله بحكمته يُقسم الأرزاق كما يُقسم الليل والنهار، ويُقدّر الأمور كما يُقدّر دوران الشمس والقمر .
فالرضا هو إدراك أن السعي واجب ، لكن النتائج بيد الله، وأن علينا أن نعمل بما في وسعنا، ثم نُسلّم لما لا نملك تغييره.
إن كثيراً من الألم الذي نشعر به نابع من رفضنا لهذه الحقيقة : أن ليس كل شيء ممكناً ، وأن بعض الأمور ليست لنا .
وهذا الرفض يُتعب القلب ويُرهق العقل، بينما القبول يفتح أبواب الطمأنينة، ويُقرّب الإنسان من السلام الداخلي . فإن عرفت أن “الشمس لا ينبغي لها أن تدرك القمر”، رضيت بمكانك، وسكنت نفسك، وسِرت في فلكك كما أراد الله لك.
ولنتعلم أن نرضى دون أن نتوقف عن السعي ، وأن نفهم أن بعض ما لا نحصل عليه هو في الحقيقة من أعظم النعم، وأن العبرة ليست دائما في الوصول ، بل في الوعي بأن لكل منا مساره، ومكانه، ووقته، وحده الذي لا يتعداه ، تماما كما لا تتعدى الشمس فلكها ، ولا يدرك القمر مدارها.
نائبة رئيس التحرير
دوماً مبدعة … وكلماتكِ لها صدى … نفع الله بها وجزاكِ خيراً .
“مقالكِ بديع استاذتنا ، فيه وقار الحكمة وجمال البيان، رسمتِ به خارطة وعي تقودنا لفهم أعمق للقدر وحدود الطموح.. لا فضّ فوكِ.”
شكرا جزيلا لك أستاذ تركي
لقد أسعدني أن المقال نال إعجابكم .
لله درك أيتها النحلة النشيطة
ما أجمل حرفك وما اعمق معانيك .
مقال أكثر من رائع.
بورك قلمك عزيزتي .
شكرا جزيلا لك أستاذة شقراء على كلماتك الجميلة ، لقد أسعدني أن المقال نال إعجابك💕
عبارات جميلة وراقية
تحمل في طياتها مواساة
واقعية وحقيقة لكل نفس
طموح .. بأنه ليس لها كلما أرادت .. وليس كل الخير فيما طمحت إليه
وما قصرت في طليني ولكن لرب العرش أمر فوق أمري
سلمت وسلم قلمك استاذة ابتسام ✅🌹
شكرا جزيلا لك أستاذة خديجة ، أسعدني أن المقال نال إعجابك💕