كُتاب الرأي

المرأة في شعر أبي الطيب المتنبي

المرأة في شعر أبي الطيب المتنبي

من ثنائيات الإبداع عند المبدعين الأوائل من الشعراء والأدباء في موضوع المرأة والطبيعة ؛ فالطبيعة على حقيقتها وأبعادها المادية المحسوسة والمعنوية هي الرافد من الروافد للإبداع والإلهام للأديب ! شاعراً ساحراً أو ناثراً مبدعاً ؛ فهو يغوص في بساطتها ويقف عند غدرانها وأنهارها وبحارها وجمال أشجارها وغاباتها وغناء أطيارها وسحر أنفاسها وأشكال تنوعها كذلك ، ربما يصرفه بصره الشعري إلى جمال السماء ونفاسة النجوم والكواكب وسهولة قراءة الكون والمستقبل من خلال الصور التي يقدمها الليل والنهار في آن واحد.
إن الإحساس بالجمال قوة من قوى الإنسان الظاهرة الخفية ؛ وهو أمر معنوي نسبي يتفاوت الناس فيه ! فضلاً عن الأدباء المبدعين المميزين! فعسعست الليل و وتنفس النهار وإطلالة الشمس على الطبيعة الساحرة ! وجمال الفجر عند طلوعه ! ومشاهد المخلوقات والكائنات الحية وهي تنتشر في الأرض بالطول والعرض ! ومشاهدة الثمار المتدلية والأشجار الباسقة والغدران الجارية ومشاهد جمال الغروب ربما يستفز بعض الأدباء والشعراء المرهفين في أحاسيسهم ! وربما. لا يحركون ساكناً. رغم كل الإغراءات والإغواءات من الطبيعة الساحرة الشاعرة !! .
كذلك المصدر الآخر للإلهام والإبداع والإبحار في عوالم الكلمة الشاعرة وهي المرأة بسحرها وجمالها وأنوثتها وقدرتها على الفتنة والإغواء والإغراء والإبحار فيها وفي عينيها وجمال ظفائرها وقوامها ورشاقتها وسحر خديها وشفتيها ! وربما جنوح عقلها عن العقول المألوفة !
كل ذلك لا يراه بعض الأدباء مصدر إلهام ووقود قصيدة شعرية فضلاً عن بيت سائر من بيوت الشعراء العرب !.
من الشعراء الذين نرى أنهم ما أوغلوا كثيراً في جمال المرأة وسحرها والغوص في مفاتن أنوثتها
هو شاعر العربية الكبير والعظيم أبو الطيب المتنبي أحمد بن الحسين الجعفي الكوفي رحمه الله تعالى .
يقول أبو الطيب المتنبي رحمه الله تعالى. في بعض. النساء :
ولو كان النساء كمن فقدنا
      لفضلت النساء على الرجال !
فما التأنيث لاسم الشمس عيبٌ
      ولا التذكير. فخر للهلال   !!
فهو يرى فيها العلم والمكانة الاجتماعية العالية دون غيرها ولو كان النساء يملكون هذين الفضلين لفضلوا على الرجال حقيقة !!
ويقول في موطن آخر :
مِمّا أضَرّ بأهْلِ العِشْقِ أنّهُمُ
هَوَوا وَمَا عَرَفُوا الدّنْيَا وَما فطِنوا !
تَفنى عُيُونُهُمُ دَمْعاً وَأنْفُسُهُمْ
 في إثْرِ كُلّ قَبيحٍ وَجهُهُ حَسَنُ !
فهو لا يرى في المرأة ما يراه العاشق المحب ! العاشق المفتون الواله ! العاشق الذي ينسى كل شيء. في حضور. محبوته ..!
وهذا عجيب من أبي الطيب المتنبي….!!
 كيف هذا؟ والشاعر يرى الجمال بعيون الناس لا يثرب على ما يحبون ويعشقون فقط. ! بل يرميهم بالجهل وعدم الفطنة وعدم معرفة حقيقة الأمور والنظر إليها من زوايا. العقل والفطنة !
ويقول في موطن :
ومَنْ خَبِرَ الغَواني فالغَواني
    ضِياءٌ في بَواطِنِهِ ظَلامُ !
إذا كانَ الشّبابُ السُّكرَ.والشّيْـبُ
   هَمّاً فالحَياةُ هيَ الحِمامُ
وما كُلٌّ. بمَعذورٍ. بِبُخْلٍ
    ولا كُلٌّ على بُخْلٍ يُلامُ. !!
بينما يرى أبو الطيب المتنبي في المرأة البدوية هي المرأة الحقيقية التي تستحق الإعجاب والحب والتضحية ! وقد تنال إعجابه كاملاً ! ..فهو يقول فيها :
مَنِ الجآذِرُ في زِيّ الأعَارِيبِ
  حُمْرَ الحِلَى وَالمَطَايَا وَالجَلابيبِ
إنْ كُنتَ تَسألُ شَكّاً في مَعارِفِها
       فمَنْ بَلاكَ بتَسهيدٍ وَتَعذيبِ
لا تَجْزِني بضَنًى بي بَعْدَهَا بَقَرٌ
  تَجزي دُموعيَ مَسكوباً بمسكُوبِ
سَوَائِرٌ رُبّمَا سارَتْ هَوَادِجُهَا
    مَنيعَةً بَينَ مَطْعُونٍ وَمَضرُوبِ
وَرُبّمَا وَخَدَتْ أيْدي المَطيّ بهَا
 على نَجيعٍ مِنَ الفُرْسانِ مَصْبوبِ!
إلى أن يقول :
ما أوْجُهُ الحَضَرِ المُسْتَحسَناتُ
    بهِكأوْجُهِ البَدَوِيّاتِ الرّعَابيبِ
حُسْنُ الحِضارَةِ مَجلُوبٌ بتَطْرِيَةٍ
   وَفي البِداوَةِ حُسنٌ غيرُ مَجلوبِ
أينَ المَعيزُ مِنَ الآرَامِ نَاظِرَةً
  وَغَيرَ ناظِرَةٍ في الحُسنِ وَالطّيبِ؟!
أفدِي ظِبَاءَ فَلاةٍ مَا عَرَفْنَ بِهَا
   مَضْغَ الكلامِ وَلا صَبغَ الحَواجيبِ!
وَلا بَرَزْنَ مِنَ الحَمّامِ مَاثِلَةً
        أوراكُهُنَّ صَقيلاتِ العَرَاقيبِ
وَمِنْ هَوَى كلّ مَن ليستْ مُمَوِّهَةً
  ترَكْتُ لَوْنَ مَشيبي غيرَ مَخضُوبِ
وَمِن هَوَى الصّدقِ في قَوْلي وَعادَتِهِ
 رَغِبْتُ عن شَعَرٍ في الرّأس مكذوبِ
فالمرأة لم تكن مصدر إلهامه ولا هي تلك الآسرة للبه وفؤاده !! وهو لم يكن يوماً. من الدهر المتيم بها !! والعاشق عشق المغبين المحبين. لها. كسائر العشاق في في تأريخ العشق. العربي !.
هذا ربما يعزى إلى إنشغال أبي الطيب المتنبي في حروبه مع خصوصه ! أو بحثه الحثيث عن مكانة بين الملوك والعظماء ! وربما كان قلب أبي الطيب المتنبي ميّالاً للمرأة كأنثى فقط ! كزوجة تقضي وطره. ، وتخدم بيته. ! وتربي أولاده ! وتكون له. سنداً وقوةً ! دون أن يشغل شعره بها ! ويزج بها في عوالم العشق والغرام الذي يراه ممنوعاً ! وعالماً محرماً ! ولذلك كان نظيفاً وطاهراً في شعره وتصويره عند الحديث المرأة في أدوارها المختلفة .
يبقى أبو الطيب المتنبي أحمد بن الحسين الجعفي الكوفي رحمه الله تعالى رحمة واسعة هو شاعر العربية الكبير والعظيم  ، ومن لم يتذوق  شعره وقصائده. الخالدات  الجياد  شككنا في عروبية  قلبه وروحه …!
لِعَينَيكِ ما يَلقى الفُؤادُ وَما لَقي
   وَلِلحُبِّ مالَم يَبقَ مِنّي وَما بَقي
وَما كُنتُ مِمَّن يَدخُلُ العِشقُ قَلبَهُ
  وَلَكِنَّ مَن يُبصِر جُفونَكِ يَعشَقِ
وَبَينَ الرِضا وَالسُخطِ وَالقُربِ وَالنَوى
      مَجالٌ لِدَمعِ المُقلَةِ المُتَرَقرِقِ
وَأَحلى الهَوى ما شَكَّ في الوَصلِ رَبُّهُ
وَفي الهَجرِ فَهوَ الدَهرَ يُرجو وَيُتَّقي

المصلح والمستشار الأسري

د. سالم بن رزيق بن عوض

د. سالم بن رزيق بن عوض

أديب وكاتب رأي وشاعر ومصلح ومستشار أسري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى