آفاق في عين العالم

هل يقرأ الكُتّاب؟!

 

وليد قادري

هل يقرأ الكُتّاب؟!

الإجابة البديهية هي أن الكاتب يستمد العديد من قوته الأسلوبية واللغوية من خلال قراءاته السابقة وخصوصا في البدايات، ولكن..

لنسأل هنا سؤالين افتراضيين:

هل الكاتب المعروف والمشهور ما يزال يقرأ؟!

هل الكُتّاب يقرؤون لبعضهم؟!

لنفصل الأمر قليلًا..

الكاتب الأديب:

هذا الكاتب الذي يستحق معنى الكلمة، أديب مؤدب مهذب متواضع يعيش حرفه ويعيش فيه الحرف والفكر ويسعى لأن يترك قيمة ما وإرث ما بعده، هذا الأديب ما يزال يقرأ وللكل ويدعم الكُتّاب صغيرهم وكبيرهم وينبهر بما يعجبه ويتغاضى بلطف عن أي نقد سلبي قد يجتاحه ولا يستطيع التعبير عنه، هذا الكاتب محبوب لدى الجميع لكنه وللأسف لا يستطيع الخروج من هذه القوقعة..

كتاباته ما تزال في خانة الوسط، عزف عنه الإبداع الذي يرافق الحديّة بلا شك، لا يوجد مبدع إلا ولديه جنون كامن ورأي شاطح وعداوات غير معلنة، لن يستطيع أحد بلوغ المجد ما لم يحترق بلهيب غيرة الأقران وارتباط الشهرة بالتمسح بالنخبة وتقليدهم في رمزيتهم التي يعجز الشيطان بذاته عن فكها..

ربما يرتبط صديقنا الكاتب هنا في علم النفس بشخصية البيتا أو الإمباث..

الكاتب النخبوي الأصلي:

هذا الكاتب لا يقرأ سوى لذاته، وللمشاهير وخصوصا الأكاديميين ممن رحلوا عن الحياة، ولا يهم عنده إن كانت الاقتباسات التي تنشر عنهم غير صحيحة فيكفي أنها مذيلة بإسمهم، ولا يهم أيضا إن كانوا في حياتهم معادين لدين الكاتب أو وطنه، فطالما أنهم مشهورون وميتون فهم ضحية محتملة لهذا الكاتب ليقتبس من نارهم ولو القليل، ليست سرقة أدبية بالمعنى الدقيق لكنها كلمة من هنا وصيرورة من هناك وكينونة من ذاك وهرمنوطيقية من آنذاك، وكلما كان أسلوب الكاتب صعبا زاد شغف النخبوي لتقليده وإن لم يفهم شيئا غير ترديد مصطلحات ما أنزل الله بها من سلطان لتدعم صورته النخبوية في زمن لم يعد للسيجار والكونياك والنظارة ذات العدسة الواحدة أي تأثير..

شخصية الألفا النرجسية السايكوباثية في أبهى صورها..

الكاتب النخبوي فئة ثانية:

النسخة المحدثة المعاصرة للنخبويين هي النخبوي الساخر المتعالي، لا شيء يعجب هذا الكاتب، معياره الوحيد هو صداقاته الني تتسم بالمصالح، جاملني وأجاملك، فهو يتطلع للنخبوي الأصلي بانبهار وفي ذات الوقت ينتظر اللحظة التي سيسقط فيها أستاذه من كرسيه ليعتلي مكانه، ينظر للكُتّاب الجدد باشمئزاز ما لم يكن بينهم فاتنة في بداية طريقها فيحتويها ويقدمها للجمهور كأنه مكتشفها وعرابها، وإن جمعت جلسة ثُلة من هؤلاء الكُتّاب سيتوقع جليسهم أنهم سيتناقشون كتابا ما لكن في الواقع لن تخرج أحاديثهم عن انتقاد المشهد الثقافي بحدة واستعراض مغامراتهم مع المواهب الجديدة والصداقات الأنثوية من الدول الأخرى  والحديث عن المعارض الدولية ومن ثم يتهادون إصداراتهم الجديدة التي لن يقرأ منها أحدهم  للآخر إلا لو توفّى ووكلت لصديقه مهمة الحديث عن مسيرته الأدبية الحافلة بينما لو سألت أحدهم عن أبرز بيت شعر قاله أو عناوين كتبه لحكّ رأسه محاولا التذكر بلا طائل..

نسيت خصلة مهمة، هذا الكاتب يتضايق إن اتهمته بالكتابة، هو شاعر أو روائي أو قاص أو ناقد، بغير هذه الألقاب لن يرد عليك التحية أصلا..

وهو نرجسي كذاك من الطراز الرفيع ويتلون بين شخصيتي الألفا المسيطر والبيتا التابع كما يقتضي الموقف..

الكاتب المتمرد:

لا يقرأ لأحد من محيطه، يخشى أن يتهمه أحد بالتأثر بأسلوب فلان أو علان، النسخة المحسنة النادرة لهذا الكاتب هو القراءة في كتب متخصصة و(أجنبية) تفيده في كتاباته، لكنه يتحاشى التعبير عن رأيه في كتابات الآخرين كي لا يخسرهم أو يتلقى نقدا مشابها عن كتاباته، هذا المتمرد خصم نبيل وما أقل النبلاء في عصرنا وما أقل جمهورهم، لكنه يكتب للكتابة ذاتها ولا يفكر فيما بعدها، هو انطوائي ومتوحد ويعطي انطباعا بأن الآخرين غير مرحب بهم للاقتراب منه، لكنه مبدع بلا شك وإن كسر كل الأطر التقليدية..

يذكرني بشخصية السيجما..

دعنا من التفاصيل أعلاه، هل أقنعتك الفكرة أن الكُتّاب لا يقرؤون لأحد؟!

تذكر ذلك جيدًا قبل أن تعرض كتابك أو نصك على أحد الكُتّاب ليعطيك رأيه..

هل هناك استثناءات؟!

طبعا هناك العديد من الكُتّاب المتواضعين خلقا والرائعون أسلوبا لكنهم متوارون خلف المشهد الثقافي..

ماذا لو استبدلت كلمة (كاتب) ب(فنان / ممثل / مصور / رسام / مغني / إلخ)؟!

لن تجد فرقا في التصنيفات أعلاه..

هل تسمح لي بسؤال آخير:

إذا كنت حقّا تحب الكتابة، فلماذا تريد رأي كاتب مثلك فيما تكتب؟!

كاتب رأي

وليد قادري

كاتب رأي وقاص

تعليق واحد

  1. جدلية القراءة والكتابة حسمت في النقد الأدبي الحديث، وأشهر توصيف لها يعود للفيلسوفة الفرنسية (جوليا كريستيف) التي عرفت الكتابة الأدبية من خلال مقولة (التناص)، وحددت هذا المفهوم من خلال ركيزتين أساسيتين هما: الامتصاص والتحويل. فكل نص جديد في نظرها ما هو إلا امتصاص لنصوص سبق للكاتب ان قرأها وتحويل لها بطرق إبداعية معينة. فلا يوجد نص جديد ينطلق من الصفر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى