كُتاب الرأي

السفر إلى الخارج… بين سُفراء يرفعون الرأس وآخرين يُسيئون الحضور

السفر إلى الخارج… بين سُفراء يرفعون الرأس وآخرين يُسيئون الحضور

مع انطلاق الإجازة الصيفية وامتلاء المطارات بالمسافرين، يتصدر الشباب مشهد الترحال نحو الخارج، يحملون في حقائبهم آمالًا في الاستجمام، وتطلعات لاكتساب الخبرات، والتعرف إلى حضارات وثقافات جديدة.
والسفر، وإن كان في مظهره فسحة ومتعة، إلا أن في جوهره مسؤولية ثقيلة، لا سيما حين يُصبح المرء، دون أن يشعر، سفيرًا لبلاده أمام أعين الآخرين.
ما أروع أولئك الذين يسافرون وهم مشبعون بالوعي والانتماء، يجعلون من أنفسهم صورة مشرقة لوطنهم، في مظهرهم، وأدبهم، وتعاملهم، بل حتى في صمتهم.
تراهم يتقنون فن الحضور، ويحرصون على ألا يكونوا مجرد عابرين، بل رسلًا للخلق والاحترام، لا يذوبون في المجتمعات الجديدة، بل يتفاعلون معها دون أن يتنازلوا عن هويتهم، يمثلون الوطن خير تمثيل، ويبعثون برسائل غير منطوقة تقول: “هذا هو وطني، وهكذا هم أبناؤه.”
هؤلاء لا يعودون فقط بحقائب ممتلئة بالمشتريات والصور، بل يعودون بأرواح غنية بالتجربة، وعقول متسعة بالأفكار، ونفوس مشحونة بالمسؤولية، يرَون أن ما قاموا به لم يكن مجرد نزهة، بل مشاركة حضارية، يسهمون من خلالها في رسم ملامح وطنهم في وجدان الآخر.
وعلى الجانب الآخر، نُصدم أحيانًا ببعض من يسافر وكأنه يخلع عنه كل ما يمتّ للوطن بصلة، سلوكًا وخلقًا ومظهرًا، يسيئون الحضور في كل مشهد، ويتعاملون مع السفر وكأنه مساحة مفتوحة للانفلات من القيم، غير مدركين أنهم يمثلون بلدًا بأكمله، وأن كل زلة أو تجاوز تُحسب على الوطن لا على الفرد فحسب، يُبالغون في التبذير، ويستعرضون ممارسات لا تنتمي لثقافتنا، ويتحدثون بما لا يليق، وكأنهم اعتادوا أن يُنظر إليهم بازدراء، لا باعتزاز.
إن مثل هؤلاء لا يُسقطون هيبتهم فقط، بل يُشوهون صورة وطنهم، ويتركون في الذاكرة الأجنبية انطباعًا مقلقًا، لا تصحبه مودة ولا احترام.
وبين هذا وذاك، تبرز الحقيقة الأهم: أن السفر اختبار للوعي، ومسؤولية أخلاقية، قبل أن يكون وجهة على خريطة.
السفر، في جوهره، رسالة غير مكتوبة، فيها ما يُقال، وما يُفهم من غير قول، وهو مرآة تعكس معدن الإنسان، ومدى حرصه على أن يكون ممثلًا مشرفًا لوطنه، وكل من تطأ قدماه أرضًا أجنبية، عليه أن يدرك أنه أصبح في عين الرقيب، وأن سلوكه اليوم قد يكون حديث الغد، وصورته قد تُختزل في “هكذا هم أبناء بلده”.
فلنكن، في سفرنا، سفراء بحجم الوطن، نرفع الرأس بأخلاقنا قبل إنجازاتنا، ونترك خلفنا أثرًا نقيًّا، وصورة تستحق الفخر، فليس كل مسافر سفيرًا، إلا من عرف قدر الوطن الذي يحمله في قلبه، وأتقن كيف يُمثّله بحكمة واعتزاز.

بقلم: د. دخيل الله عيضه الحارثي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى