كُتاب الرأي

*حين يتكلم الصمت … وتصمت الكلمات*

*حين يتكلم الصمت … وتصمت الكلمات*

في عالمٍ يضجّ بالكلمات، ويعجّ بالضجيج، تظلُّ لغة الصمت من أبلغ اللغات وأكثرها عمقًا، تلك اللغة التي لا تُكتب، ولا تُنطق، لكنها تُحسّ، وتخترق القلب مباشرةً دون استئذان.
الصمت ليس فراغًا، بل مساحة مليئة بالمعاني. قد يكون ردًّا حاسمًا حين لا يجدي الجواب، وقد يكون حضنًا دافئًا حين يعجز الكلام عن مواساة قلبٍ موجوع. أحيانًا، تكفي نظرةٌ صامتة، أو يدٌ تمسك أخرى، لتقول ما تعجز عنه آلاف الجمل.
في المواقف الإنسانية الكبرى، كالفقد، أو الوداع، أو حتى اللقاء الأول، يصبح الصمت بطل الحكاية. تذوب فيه الحروف، ويعلو على الضجيج، ويُفهم دون ترجمة. إنّنا لا نصمت لأننا لا نملك ما نقول، بل لأن ما نشعر به أعظم من أن يُقال.
يقول جبران خليل جبران:
> “بين منطوقٍ لم يُقصَد، ومقصودٍ لم يُنطَق، تضيع الحقيقة.”
وهكذا، يكون الصمت أصدق، لأنه لا يُخفي نوايا، ولا يُجمّل المعاني.
الصمت أيضًا مرآةٌ للروح، نستمع فيه إلى أنفسنا، نُراجع، نتأمّل، نكتشف، وقد نُشفى. كثيرٌ من القرارات الكبرى وُلدت في لحظات صمت، وكثيرٌ من الحبّ الحقيقي اختُبر في لحظة سكوت.
لكن الصمت ليس دومًا جميلاً، فقد يكون موجعًا، حين يُستخدم للهروب أو العقاب، أو عندما يصبح بديلًا عن الاعتذار أو التفسير. فهناك صمتٌ يُنقذ، وهناك صمتٌ يُدمّر.
ورغم ذلك، تبقى لغة الصمت من أنقى اللغات؛ لا تحتاج إلى معجم، ولا إلى تعليم، يكفي أن تمتلك قلبًا صادقًا كي تفهمها، ووجدانًا حيًّا كي تُتقنها.

الكاتبة والمؤلفة /سلامة المالكي

سلامة بنت محمد المالكي

كاتبة وإعلامية وشاعرة وقاصة ومؤلفة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى