كُتاب الرأي
*”طفولة لا تموت: عندما يكون الماضي ملجأً للروح* “

*”طفولة لا تموت: عندما يكون الماضي ملجأً للروح* “
لماذا نشتاق دومًا إلى طفولتنا؟ لماذا نسترجع روائح الممرات القديمة، وأصوات أمهاتنا وهنّ يناديننا إلى العشاء، وضحكاتنا التي كانت تدوّي في أزقة الحيّ كأنها لا تعرف الحزن؟
الحنين إلى الطفولة ليس ترفًا شعوريًّا، بل هو احتياج إنساني عميق، له جذور نفسية وعاطفية. الطفولة هي المرحلة التي كنا فيها أكثر صدقًا، وأقل تصنّعًا. كنا نحب ببراءة، ونخاف دون خجل، ونفرح بأبسط الأشياء: ببالون، أو قطعة حلوى، أو قصة قبل النوم.
في الطفولة، لم تكن لدينا مسؤوليات معقّدة، ولا هموم تتكاثر في رؤوسنا كأوراق تقويم تمزّقها الأيام. كل شيء كان خفيفًا، والعالم كان يبدو كبيرًا وواعدًا. ولهذا، حين تشتد بنا الحياة، نركض بأرواحنا إلى هناك؛ إلى ملعب المدرسة، إلى الحقيبة الملوّنة، إلى أوّل مرة كتبنا فيها أسماءنا على دفاترنا.
يصف علماء النفس هذا الشعور بـ”النوستالجيا”، وهي آلية دفاع نفسي تعيد الإنسان إلى لحظات الأمان الأولى، حين كانت الأم هي الوطن، والأب هو الحماية، واللعب هو الغاية الكبرى.
وقد تكون الطفولة ناقصة أو موجعة عند البعض، ومع ذلك نجدهم أيضًا يحنّون إليها، ليس لأنها كانت مثالية، بل لأنها تمثّل لهم بداية الحلم، وفسحة من الأمل، ومحطة يمكن الرجوع إليها دون خوف.
إن التعلّق بزمن الطفولة هو في الحقيقة تعلّق بالنسخة الأصدق من أنفسنا، النسخة التي لم تُشوّهها التجارب، ولم تُغلق نوافذها الخيبات. ولعلّنا نعود إليها، لا هروبًا من الواقع، بل بحثًا عن سلام افتقدناه في زحام الحياة.
ففي الطفولة، لم نكن نملك شيئًا… ومع ذلك، كنا نمتلك كلّ شيء.