**مشاعر تفاعلية **

**مشاعر تفاعلية **
في عصرٍ تهيمن عليه الشاشات والجمود وجفاف الشعور ، وتكاد تحل فيه الرموز التعبيرية محل المشاعر الحقيقية، يبرز مفهوم “المشاعر التفاعلية” أو كنداء عاطفي عميق يعيد الإنسان إلى جذوره، إلى دفء اللقاء وصدق الحديث، وانسانية الحوار والتواصل وإلى المشاركة التي لا تعوّضها آلاف الإعجابات الافتراضية، ولا خوارزميات الذكاء الاصطناعي .
المشاعر التفاعلية الحقيقية … عندما يولد الفرح من التواصل الإنساني عندما تولد الابتسامة مع الاحساس، عندما يرتد الصوت بين الإنسان والإنسان
“المشاعر الحقيقية لا تكون في الأشياء، بل في الأشخاص، بل بالأحباب ..
بهذه الكلمات البسيطة، يلخّص المفكر آلان دي بوتون إحدى حقائق الحياة المعاصرة: أن الفرح لا يكتمل إلا حين يُشارك…
ما هي المشاعر التفاعلية؟
أين نجد ذلك الفرح وتلك المشاركة؟
المشاعر التفاعلية التي تبعث السعادة هي تلك المشاعر الدافئة التي تنبع من علاقاتنا الإنسانية، من تفاعلنا مع الآخرين عبر الحضور، والإنصات، والتقدير، والمشاركة. إنها السعادة التي تتضاعف كلما قُسمت، وتزداد عمقًا كلما كانت صادقة، وتثمر كلما تفتحت أزهارها .
هي ليست مشاعر سعادة متفردة مستوحشة تُعاش في العزلة، بل هي ثمرة تفاعل حيّ بين الأرواح، تولد من ضحكة نتقاسمها، أو كلمة طيبة تُقال من القلب، أو وقفة وفاء في لحظة ضعف.
كما قال الأديب جبران خليل جبران:
“ليس السخاء أن تعطي ما أنا في حاجة إليه أكثر منك، بل أن تعطي ما أنت في حاجة إليه أكثر مني.”
وهنا تتجلّى السعادة التفاعلية في أسمى صورها: حين نعطي من القلب، ونشارك بصدق.
نعم نعطي من القلب ولا ننتظر جزاءً ولا شكور ، نعطي لنعيش، لنمارس إنسانيتنا في تبادل الحب،
ذلك الحب السامي الذي تتبعه الأماني بدوام العيش في سلام وأمان
لماذا نحن بحاجة إلى تلك المشاعر التفاعلية اليوم أكثر من أي وقت مضى؟
رغم التقدّم التقني والانفتاح الرقمي، يعيش كثيرون في وحدة صامتة. الحوارات أصبحت نصوصًا، والمشاعر رموزًا. ومع هذا التحول، بدأ الإنسان يشعر بفراغ داخلي لا تملؤه التقنيات، بل يُروى فقط عبر تواصل حقيقي ينبض بالإنسانية.
“نحن لا نتواصل لنُجيب، بل لنتفهّم.” هذه الحكمة تختصر جوهر التفاعل الإنساني: أن نكون حاضرين حقًا، بقلوبنا لا بأجهزتنا. فالمشاعر التفاعلية هي أن تشعر أن أحدًا يستمع إليك، يفهمك، يقف معك… لا لأن عليه ذلك، بل لأنه يريد.
وعليه يجب أن نعلم بأن الحضارة أجبرتنا لنصنع عالما افتراضيا موازيا ذا مشاعر ورموز تعبيرية لا طعم لها ولا لون ولا ذائقة
لكن إلى متى ينعدم التعامل بين الناس بين الأسر بين الأحباب بين الأخوة بين الأقارب بين الأصدقاء
أن مظاهر المشاعر التفاعلية التي يجب أن تكون متعددة ولا حصر لها فمنها؛ الحديث من القلب؛ ويعنى بها مشاركة الحكايات والأفكار والمشاعر مع من نحب بما يمثل صفاء القلوب، وسلامة السريرة .
وأيضا من مظاهر المشاعر التفاعلية الدعم المتبادل؛ ففي أوقات الألم والحزن ، حيث تكبر السعادة حين نشاركها بالعطاء بالاهتمام لا بالشفقة الباردة .
وكذلك من مظاهر المشاعر التفاعلية الاحتفال المشترك؛ كأن تجد من يفرح لك أكثر منك، تقول له “أُبشرك بكذا” و”أخبرك أنني” و”أنت ممن يهمني ويهمه أمري”.
كما أن من مظاهر المشاعر التفاعلية الاحترام والتقدير؛ فأساس كل تفاعل إنساني ناضج ومستمر هو الاحترام والتقدير، وتبادل الرأي وإجلاله وعدم التشكيك أو الاستخفاف
والسؤال الذي يتشكل هنا كيف نعيد إحياء هذه السعادة وهذه المشاعر في حياتنا؟
والجواب بأن نخصص وقتًا يوميًا للحديث مع من نحب دون أجهزة أو مشتتات أخرى، ثم نتدرب على الإنصات لا لمجرد الرد وملء قوالب الحوار؛ بل للفهم والاحتواء.، والتغلغل في أعماق التعايش، ثم نعيد دفء اللقاءات ونجعلها مصدرًا للتلاقي الحقيقي لا الترفيه المؤقت والسريع، وأخيرا تكون المشاركة في الأنشطة الإنسانية حيث تُبنى علاقات حقيقية قائمة على القيم الثابتة لا على المصالح النفعية المفتقرة للمرؤة
في الختام… المشاعر التفاعلية
لا تُشترى، بل تُبنى بناء تفاعليا … إنها في ابتسامة حاليةٍ لصديق، ولهفة متأججة لمشتاق، وبريقٍ عينٍ صافية لحبيب، ولمسة حنان راضية من أم، وكلمة دعمٍ ناهضةٍ من عزيز ، وعناق آمن. إنسان صادق لا تحجبه المسافات والظروف.
وكما قال الأديب الروسي ديستويفسكي:” السعادة لا تكمن في الراحة، بل في القلوب التي نفهمها وتفهمنا.”
فلنمنح أنفسنا والآخرين فرصة للسعادة وللمشاعر التفاعلية، فهي المفتاح الحقيقي لسلام داخلي دائم، ولحياة أكثر دفئًا وإنسانية..
د. عبدالرحمن الوعلان
معد برامج تلفزيونية وكاتب مسرحي