“السردية المضادة: معاول الحرب الناعمة على الهوية السعودية”

“السردية المضادة: معاول الحرب الناعمة على الهوية السعودية”
في زمنٍ تتعدد فيه أدوات التأثير وتتقاطع فيه مصالح الأيديولوجيات العابرة للحدود، أصبحت السردية الموجهة ضد المملكة العربية السعودية إحدى أبرز تجليات الحرب الناعمة، التي لا تسعى إلى المواجهة المباشرة بقدر ما تتسلل إلى وجدان الفرد، محاولة أن تخلخل ثوابته، وتزرع فيه بذور الاغتراب عن دينه ووطنه وثقافته.
الهوية السعودية ليست مجرد شعارات أو مظاهر احتفالية، بل هي عمقٌ حضاري وإرثٌ ديني وثقافي متين، تشكّل عبر قرون من التفاعل بين الإيمان والتاريخ، والبيئة والمجتمع. ولأن هذه الهوية تمثل سداً منيعاً في وجه التلاعب الفكري والتغريب الممنهج، فقد أصبحت هدفًا مباشرًا لحملات التشويه، التي لا تُصاغ اعتباطًا، بل تُبنى ضمن مشروعٍ واسع يسعى إلى تفكيك الانتماء الوطني وتهميش المنظومة القيمية.
تتنوع وسائل هذه السردية المسمومة، فتارة تتخفى في ثوب “التنوير”، وأخرى تتدثر بعباءة “الحرية”.
يتم التشكيك في الثوابت الدينية عبر تصويرها على أنها معوّق للتقدم، ويُحرّض على الرموز الوطنية والمجتمعية، فتُصوَّر الإنجازات على أنها زائفة أو موجّهة، ويُبخَس الماضي ويُسخَّف الحاضر، بينما يُضخَّم كل ما هو وافد، حتى لو حمل القيم المتحللة والفراغ المعنوي، أما الثقافة المحلية، فغالبًا ما توصف بالبدائية، في مقابل تمجيد النموذج الغربي، دون مراعاة للفروقات الحضارية أو الخصوصيات المجتمعية.
إن أخطر ما في هذه الحرب أنها لا تُخاض بالسلاح، بل تُدار داخل العقول، وفي مساحات الوعي والانتماء؛ فهي تسعى إلى زعزعة ثقة المواطن بدينه، وإرباك علاقته بوطنه، وتغريب ذهنه عن واقعه وتاريخه. حين يشعر الفرد أن انتماءه عبء، وأن معتقداته عائق، تبدأ مرحلة الانفصال الداخلي، ويتولد ما يُعرف بـ”الاغتراب النفسي”، حيث يعيش الإنسان في وطنه دون أن يشعر بالانتماء إليه.
لكن المملكة، بحكمتها وعمقها الاستراتيجي، لم تكن غافلة عن هذه المواجهة الناعمة، فقد أثبتت قدرتها على الموازنة بين الثبات والتطور، والاعتزاز بالجذور مع الانطلاق نحو المستقبل، ولعل رؤية 2030 تجسد هذا المعنى بأبهى صوره، إذ أعادت الاعتبار للهوية الوطنية، وربطتها بالطموح والإنجاز، فجعلت من المواطن محورًا للبناء، لا أداة للتأثير أو سلعة للاستهلاك.
وفي خضم هذا الصراع الصامت، لا مكان للحياد. فإما أن يكون الإنسان جزءًا من الحصن، أو ثغرة فيه، والدفاع عن الهوية لم يعد ترفًا فكريًا، بل واجبًا وطنيًا وأخلاقيًا، لأن الأمم لا تُستهدف بالقنابل فقط، بل تُغتال وعيًا، وتُستنزف سردًا، حتى تذوب في الآخر وتنسى ذاتها.
ختاماً:
من أراد أن ينزع عن السعودي هويته، كمن يحاول اقتلاع الجبال من جذورها… فلتتحطم فؤوسهم على صخرة المجد!
بقلم: د. دخيل الله عيضة الحارثي