كُتاب الرأي

الموت… الجار الذي لا يُغادر

الدكتورة سارة الأزوري

الموت… الجار الذي لا يُغادر

الموت ليس بعيدًا كما نظن،
إنه جارٌ يسكن فوق رؤوسنا، نسمع وقع خطواته ثم نُشيح بأذهاننا… حتى يصل.
كان يمرّ كعابر ثقيل، ثم يعود إلى صمته،
أما الآن، فقد استقرّ فينا، لا يشبع، لا يُغادر.

لم نعد نودّع الراحلين بدهشة،
صرنا نمرّ على الموت كأنّه تفصيل معتاد.
قلّ وجع الفقد في ملامحنا، لكنّه تضخّم في أعماقنا.

يرحل الطيبون أولًا، وكأن النقاء لا يُحتمل طويلًا على هذه الأرض،
يمضون بهدوءٍ كأنهم كانوا يعلمون أن دورهم سيحين أولًا.
ننظر خلفهم… فلا نجد شيئًا يعوّض ظلّهم،
لا الوقت، لا الناس، لا محاولات التصبّر.

غابت الدعوات التي كانت تسبقنا إلى السماء،
وغاب من كانت الحياة تطمئن بوجودهم،
وها نحن نعيش وسط الغياب كمن يسكن بيتًا بلا جدران.

لكنّ أكثر ما يُرعب في الموت ليس غياب من نُحب،
بل استمرار الحياة دونهم…
أن نستيقظ كل يوم على نقصٍ لا يُرمَّم،
ونمشي في طرقٍ كانوا يمرّون بها… دون أن يمرّوا.

الموت لا ينتظر فراغنا،
قد يُفاجئنا ونحن نضحك، نركض، أو نُجهّز أشياء الغد…
كأن أحدنا انزلق من سطر عمره دون أن ينتبه.

لكنّه أحيانًا يتأنّى،
يطلّ من بعيد كظلّ لا يبتعد ولا يقترب،
فنُحدّق في ملامح الحياة وكأنها تتهيّأ لتُطفئ أنفاسها،
نلمح الوداع في العيون، ونشعر دون أن نقول… أن النهاية تمشي نحونا على رؤوس أصابعها،
كأن الزمن نفسه يُنزل ستار الحكاية بلطفٍ مريب.

نُكمل أيامنا كمن يمشي فوق الزجاج:
نتظاهر بالقوة، نضحك بوجهٍ مرهق، ونبكي حين لا يرانا أحد.

الموت لا يعتذر،
ولا يمنحنا فرصة لأن نلتقط أنفاسنا، يأتي، يأخذ، ويتركنا في صمتٍ لا يُحتمل.

وإذا صمتنا، فليس لأن الألم انطفأ، بل لأن الحزن إذا جاوز حدّه… يُخرس.

كاتبة رأي

 

 

الدكتورة سارة الأزوري

أديبة وشاعرة وقاصة وكاتبة رأي سعودية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى