الغضب ( مفهومه أسبابه علاجه )(1)

تبقى النفسية البشرية مكونا أساسيا من مكونات الشخصية الإنسانية ولها مستوياتها من الطمأنينة والهدوء والسلامة والسكينة وإنحدارها في الحيوانية الغاضبة والحانقة على كل من تراه ينافسها ويسبقها ويتقدم عليها ويحقق إنتصاراته في كل معاركه التي يخضوها معها ، فهي تتغير وتتحرك في رعونة وغفلة.
والاستجابة للمؤثرات الخارجية والتهيج معها وزيادة الحدة في التعاملات مع المؤثرات وظهور التغيرات على الشخص في أثناء حنقه من رفع الصوت والسيطرة البذاءة والتنوع الشتائم والسباب وما يصحب ذلك من إحمرار العيون وانتفاخ الأوداج كل ذلك نسمية الغضب .
فالغضب في حقيقته حالة نفسية مضطربة يحدثها ويسببها الخوف من فوات محبوب أو الخوف من وقوع مكروب وتكون النفس بين مجموعة من ضغوط المؤثرات والأحداث المتسارعة لا تستطيع إلا أن تستجيب هذه الاستجابة القوية .
مقابل ما تتعرض له من التحديات والصعوبات والعقبات.
وقد يعبر بعضهم عن الغضب بأنه إنزعاج القلب وهيجان الجوارح في غياب العقل الراجح وسيطرة الإنتقام والمعاملة بالمثل ورد الصاع أصواع والكلمة كلام والشر عشرا واستخدام العدوان والإفتراء في كل ما يضر ومحاولة المدافعة للوقائع والأحداث المتسارعة والخوض فيها
وإعلان الحرب اللسانية والجسدية في لحظات الدفاع .
وقد تكون حالات الغضب تلك الحالة من الهيجان والصراخ وربما البكاء واستخدام كل لغات الجسد البشعة للدفاع عن النفس أو المال أو أي شيء له قيمة لديه والجميع لا يرى نفسه عند ساعة غضبه لكننا نرى الناس عندما يحنقون ويغضبون ويتعاركون ويتدافعون ويتلاسنون في تلك الساعات التي تبدو كالعواصف الهوجاء والتي يعجز بعضهم في السيطرة على نفسه ولسانه ساعتها.
وحقيقة عندما نتحدث عن الغضب فإننا نتحدث عن حالة نفسية إنسانية حيوانية مشتركة فجميع الكائنات الحية يظهر عليها سلوك الغضب وتتصرف في ساعة غضبها وحنقها ما لا تتصرفه في ساعات هدوئها وسلامتها وإستقرارها .
ومع ذلك يمكن تصنيفه إلى غضب محمود في دوافعه وأسبابه وحتى في طريقة تعاطي النفس معه ، ومنه الغضب المذموم وهو الميل إلى العدوانية في اللسان الجسد والذهاب إلى أبعد من ذلك بالإعتداء على الآخرين وعلى ممتلكاتهم وإلحاق الضرر والتلف والعطب بها .
ومن أظهر صور الغضب في المجتمع ظاهرة الإحتراب بين الشباب والشابات ظاهرة التعصب في التشجيع لفريق أو إنسان مشهور وظاهرة العنف والطلاق في الحياة الزوجية كذلك ظاهرة السباب والشتائم والتهديد والقذف العابر للقارات عبر قنوات ووسائل التواصل الإجتماعي والثقافي.
والذي يزور السجون وأماكن توقيف الأحداث ويصغي إلى أحاديثم عن أسباب ودوافع مشكلاتهم التي يعانون الآن من آثارها ؛ لقالوا بلسان واحد : إنه الغضب والحنق وعدم ضبط النفس والعجلة والشيطان هو ما أوصلنا إلى هنا !!
لذا كان حرياً بالعقلاء وأصحاب الفطن والفضل أن يسعوا في كل مواقف حياتهم إلى ضبط أنفسهم ومشاعرهم وأحاسيسهم وإن كان الغضب لله تعالى ولدينه وكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ممدوحٌ ومحمودٌ وهو الغضب الحق والعدل إلا أنه يجب أن يكون منصبطاً ملتزماً بالشرع مهما كانت الأحداث والوقائع.
إن الصانع العظيم والخالق الحكيم لمّا خلق جميع المخلوقات وفطرها على هذه الصفة كان لذلك حكمة وغاية سامية يريد تحقيقها من خلال هذه الصفة وغيرها من الصفات فالغضب لحفظ الكرامة والعرض والدين والوطن والدفاع عن الحرمات والمقدسات والضعفاء والمساكين من الخلق غضب مقدس غضب محمود يحمي الإنسان والإنسانية من الظلم والاستعباد
والتبعية ويبقي إنسانية الإنسانية مرفوعة الهامة عالية الكرامة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: “فَلاَ تُعْطِهِ مَالَكَ” قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: “قَاتِلْهُ” قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: “فَأَنْتَ شَهِيدٌ” قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: “هُوَ فِي النَّارِ”. رواه مسلم.
للحديث صلة وبقية ..
المصلح والمستشار الأسري
د. سالم بن رزيق بن عوض.