كُتاب الرأي

الكتابة: مرآة الروح ومفتاح تحريرها

بقلم: صباح أحمد العمري

الكتابة: مرآة الروح ومفتاح تحريرها

ليست الكتابة مجرد عملية تدوين للأفكار والمشاعر والمعلومات؛ بل رحلة غوص في أعماق الذات، نوثّق بها تجاربنا، وننقل ما تعلّمناه، ونُسهِم من خلالها في تشكيل وعي من يقرؤوننا.
هي ليست مجرد رصفٍ للكلمات؛ إنّها نبض الروح حين يتجسّد على الورق، لتغدو جسرًا يربطنا بقرّائنا عبر الزمان والمكان.

لا أظن أن كل كاتب ملزم بأن يكون أديبًا. الأدب ـ في نظري ـ واحة فنية خاصة ضمن فضاءات الكتابة؛ يركّز على جماليات اللغة وإثارة المشاعر العميقة، والأديب هو من يملك تلك اللمسة الساحرة التي تُحوّل الكلمات إلى لوحات تنطق بالحياة.

لكن ثمّة بحورًا أخرى واسعة من الكتابة لا تحتاج هذه اللمسة الجمالية؛ فكاتب المقال الصحفي، أو من يكتب محتوى تسويقيًا، أو حتى من يخطّ رسالة بسيطة، جميعهم كتّاب. قد يكون هدفهم توصيل فكرة، أو تبسيط معلومة، أو أداء غرض عملي، دون السعي لتحريك وجدان القارئ بالضرورة!

لكل كاتبٍ الحق في أن يسلك طريقًا خاصًا، والأدب ليس إلاّ مسارًا واحدًا بين مسارات عديدة يمكن أن يختارها القلم المُلهَم.

إنّ نضج الكتابة في صدقها؛ وهذا لا يعني مجرد الالتزام بالحقائق، بل أن تكون الكلمات نابعة من تجربة حقيقية، أو رؤية شخصية، أو إيمان داخلي.
ولأكتب بصدق، أشعر أن عليّ أن أرسمني على ملامح كتاباتي؛ مُراعيةً في ذلك الأصالةَ التي تعكس صوتي الحقيقي، لا أن أكون مجرد صدى لأصوات الآخرين.
وإلى جانب ذلك الشفافية التي تكشف عن مشاعري وأفكاري، حتى وإن كانت مؤلمة أو مربكة، دون تزييف.
وأن أحقّق بها الانسجام الداخلي، حيث تتّسق مشاعري وأفكاري مع ما أؤمن به حقًا.

إنّ الكتابة الصادقة، هي تلك التي تلامس روح القارئ، لأنها نُسجت بخيوطٍ من الحقيقة خرجت من أعماق الكاتب، سواء كانت تلك الحقيقة فكرية، أو عاطفية، أو تجريبية.

أما عني؛ فالكتابة هي ملاذي، ووسيلتي لتخفيف ثقل الحياة. لا أراها مجرد تعبير عن الذات، بل وسيلة لفهمها وتحريرها.
هي التنفيس العاطفي الذي أُخرج به ما يثقل صدري، فأشعر بانفراج يشبه التنفس بعد الاختناق.
وهي ذلك الوعي الذاتي في تأمل مواقفي ومشاعري بوضوح أكبر، وفي تنظيم أفكاري عندما تشتدّ الفوضى في رأسي، حيث أجد في الكتابة وسيلة لترتيبها وإعادة السيطرة عليها.

إنّها تمنحني شعورًا بأنني ما زلت أملك شيئًا ثمينًا هو: (صوتي).

أكتب، لا لأنني فقط أُريد أن أُعبّر، بل لأنني أُريد أن أكون.
في الكتابة، أجدني بكُلي، بتناقضاتي، بضعفي وقوتي.
كل كلمة أكتبها تحمل شيئًا من روحي، وكل سطر هو خطوة نحو تصالحي مع ذاتي.

الكتابة ليست مجرد هواية أو حرفة، بل حالة وجود، وسعي دائم لفهم العالم من حولي ومن داخلي.
هي البوح الصامت، والحرية التي لا يراها الآخرون، لكنها تسكنني.

حين أكتب، لا أنشد فقط خلاصًا فرديًا؛ بل أمدّ يدًا إلى قارئٍ يبحث بدوره عن ذاته.

كاتبة رأي

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى