كُتاب الرأي
حرب الرسوم بين الهدنة والتفعيل

سويعد الصبحي
حرب الرسوم بين الهدنة والتفعيل
في زمنٍ تتشابك فيه المصالح وتتقاطع فيه الطرق التجارية كما تتقاطع السيوف في ساحات القتال لا تُخاض الحروب دومًا بالسلاح بل كثيرًا ما تُخاض بالرسوم وتُحسم بالتفاهم أو التنافر.
وما بين هدنةٍ تُرَتَّق واتفاقٍ يُمزّق تبقى حربُ الرسوم بين القوى الكبرى صورةً حديثةً لصراعٍ قديم يتّشح بثوب الاقتصاد ويُخفي في طيّاته حسابات السياسة والهيمنة والامتداد.
عادت الأنظار مجددًا إلى دهاليز المفاوضات بين العملاقين: الولايات المتحدة والصين بعد إعلان مسؤولين من الجانبين يوم الثلاثاء، التوصل إلى إطار عملٍ لإعادة تفعيل هدنةٍ تجارية تشمل في طيّاتها معالجة القيود الصينية على تصدير المعادن الأرضية النادرة – تلك الثروات الصامتة التي تُحرّك عجلة التكنولوجيا، وتؤجّج نار السياسة.
وقد جاء هذا الاتفاق بعد يومين من المحادثات المكثفة في لندن حيث صرّح وزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك بأن هذا الإطار يمثّل حجرَ الأساس لتنفيذ اتفاق جنيف الأخير الساعي إلى تخفيف الرسوم الجمركية المتبادلة.
لكن وكما قيل:
الهدنة التي تُعقد بالأقوال لا تصمد إن لم تُعزز بالأفعال
فقد ربط لوتنيك تنفيذ الاتفاق بموافقة الرئيسين دونالد ترمب وشي جين بينغ مما جعل الاتفاق أقرب إلى هدنةٍ على الورق منها إلى حلٍّ في الأفق.
التفعيل المؤجل والتهدئة الهشّة
الاتفاق المعلن ليس نهاية المعركة بل هو مجرّد تأجيلٍ للتصعيد ورجاءٌ في التهدئة قد يُزهِر أو يَذبُل. فالتاريخ علّمنا أن الهدن لا تدوم إن لم تُبْنَ على ثقة وأن التفعيل لا يتمُّ إن ظلَّ رهنًا بإرادة الزعماء وتقلبات المزاج السياسي.
ومع أن الاتفاق قد يُخفف بعض القيود الأمريكية إلا أنه لم يُلغِها تمامًا كما أن الهدنة لم تُنهِ الحرب بل جمدتها ولا يزال الجمر تحت الرماد.
جِناسُ المصالح وسَجعُ التوترات
تبدو حرب الرسوم كأنها تجاذبٌ بين التهديد والتعهّد وتناقضٌ بين التطمين والتأجيل فالولايات المتحدة تسعى إلى حماية صناعاتها بينما الصين تتمسك بحقوقها في سوقٍ تزداد فيه المنافسة احتدامًا.
وما بين التفعيل والتعطيل والتفاوض والتصعيد يبقى العالم في ترقّب والأسواق في تقلب والاتفاقات في مهبّ التأجيل أو الإلغاء.
ليست هذه أول هدنة ولن تكون آخر أزمة فحرب الرسوم بين الكبار هي أشبه برقصةٍ على حافة الجرف فيها من التوازن ما يُبقي على الحوار وفيها من التوتر ما يُبقي على الخطر.
وما بين هدنةٍ تُعلن وتُعلّق واتفاقٍ يُبرم ويُجمّد يبقى السؤال: هل سيُكتب للاتفاق أن يُفعَّل أم أنه هدنةٌ مؤقتة… تسبق جولةً أشدّ؟