كُتاب الرأي

البنت ( الجلحة)

 

البنت ( الجلحة)

من سطحية اللقاء الإعلامي إلى سطحية التعاطي مع تداعياته ،
ومن تطرف اللفظ إلى تطرف ردة الفعل
اتساءل : هل من اللائق أن تستوقف مذيعة في شارع عابرامرأة لتشيد بجمالها “المزعوم”؟ وكأن الكاميرا أداة لتقييم المارة؟ !
بغض النظر عن الجمال الحقيقي أو المُتخيَّل، فإن استغلال الكاميرا والمنبر الإعلامي لإبراز الشكل لا المضمون، هو اختزال للمرأة، وللإنسان عمومًا، في بعد سطحي.
ومتى كانت إشادة مذيعة بجمال عابرة موضوعًا إعلاميًا يستحق الوقت والبث؟
أين المعيار؟ هل الجمال صار بطاقة عبور إلى الشاشة؟
وهل هذا يعكس فقرًا في الرسالة الإعلامية أم انسياقًا وراء التريند المجاني؟

وهل: هل انعدمت مواضيع العراق؟
العراق ،عميق الجراح، غنيّ القضايا، من الفساد والبطالة إلى الثقافة والفن والهوية.
أليس تصدر التفاهة على حساب هذه القضايا، يعد من التفريط الإعلامي والتحول إلى خيانة معرفية وثقافية.

اضف العاطفة الهوجاء نحو الفتاة “المظلومة” وانفجار التعاطف العربي
على أقل تقدير مما يوحي بمومياء الروح، وهزلية الفكر الذي يُستدرج إليه الجمهور بلا وعي. وما حدث
بعد المقابلة هو تجسيد لانفعال الجمهور العربي مع الصورة قبل الفكرة، والحدث قبل الجوهر.
تحوّلت الفتاة فجأة إلى “أيقونة مظلومية” يُعاد تدويرها بين صفحات المشاهير.
الناس لا يتساءلون: لماذا صُوِّرت؟ كيف صُوِّرت؟ ماذا فعلت بعدها؟
بل يسحبهم تيار “الترند” بلا مقاومة، فيصبحون جزءًا من لعبة أكبر اسمها: صناعة الفُرجة.

وأخيرا هل أنقذوها؟ أم أغرقوها؟

بدل أن تُترك لحياتها البسيطة، جُرّت إلى دوائر صُنّاع المحتوى الذين يتاجرون بالوجوه والمشاعر.
وفي زمن السوق الرقمي، كل “مظلومة جميلة” هي فرصة محتملة للإعلانات، ولجمع التفاعلات.

ولعل :
سؤال جمالها ليس بريئًا، وتعاطف الجمهور لم يكن ناضجًا، والنتيجة: فتاة من عامة الناس أُلقيت فجأة تحت أضواء لا ترحم، في مشهد متكرر يُظهر سطحية الذوق الإعلامي، وتهافت العقل الجمعي العربي نحو المثير لا المفيد.

وفي خضم هذا العبث المتكرر، ينهض سؤال أكثر إيلامًا من غيره…

هل ترى أن الإعلام بات يحتاج إلى إعادة صياغة أخلاقية؟ أم أن الجمهور هو الذي يجب أن يُربّى من جديد؟

فاطمة سعد الغامدي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى