كُتاب الرأي

أمي والإحسان

الدكتورة سماح باحويرث

أمي والإحسان

 قالت أمي: “أختك طفلة، وتخاف من صوت الأذان؛ لابد أن تبقي في الفندق حتى لا ينزعج المصلون بصوتها)…رحمك الله يا أمي لازلت أذكر هذه العبارة التي قالتها أمي حينما كنا في زيارة للمدينة المنورة قبل ثلاثين عاماً، وفي ساحة المسجد النبوي، حينها كانت أختي فاتن في العام الخامس من عمرها، وحالما كان يصدح صوت المؤذن في جنبات المسجد النبوي، تنخرط في نوبة بكاء بسبب خوفها من الصوت العالي، فقررت أمي رحمها الله أن نتناوب في نزولنا إلى المسجد النبوي، على أن يظل واحداً منا مع أختي الصغرى في الفندق؛ حتى لا تزعج المصلين، أمي الإنسانة البسيطة غير المتعلمة، تخشى على المصلين من الإزعاج، أين نحن اليوم مما قالته أمي رحمها الله، أين هو الاحسان أيتهما الأم التي تذهب إلى المسجد النبوي وتصطحب معها ثلاثة أو أربعة أطفال يعبثون بالمسجد وبراحة المصلين.

 في هذه السطور أنقل إليكم بعضاً من هذه المشاهدات التي عشتها بنفسي داخل أروقة المسجد النبوي؛ حيث اختفي فيه الإحسان والذوق العام، في شهر رمضان المبارك وفي ساحة المسجد النبوي، كنت أصلي التراويح، وكانت الساحة مكتظة بالأطفال والنساء، أمامي خمسة أطفال يلعبون بجهازهم اللوحي وصوت الأغاني مرتفع، ثم انقلب المشهد إلى عراك، أحد الأطفال تسلق الحاجز العالي وكاد أن يسقط لولا أن تداركته ألطاف الله، ولحقت به إحدى المتطوعات وأنزلته من فوق الحاجز المرتفع، طبعاً والأم لا تعلم ما هو حال أبنائها، في نفس اللحظة بجانبي أم تصلي وأمامها طفلها ذو الخمس سنوات ينزف الدم من أنفه، أسرعت إلى حقيبتي وأخرجت منديلاً وأعطيته له، تخيلوا معي أي خشوع عشته في هذه الصلاة!!!

وفي ليلة قمراء قررت الصلاة في المسجد النبوي، وعقدت العزم على الخروج مبكراً؛ حتى أستطيع الصلاة داخل أروقة المسجد النبوي، وأبتعد عن إزعاج الأطفال، لكن كانت المفاجأة سُمح للأطفال دخول المسجد النبوي بعد أن كان دخولهم للساحات فقط، وقفنا للصلاة ومع بداية تكبير الإمام انطلقت صرخات أحد الأطفال بقربي فقررت الابتعاد إلى صف آخر، وبعد رفع الإمام من السجود شاهدت مجموعة كبيرة من العاملات يتوجهن إلى نفس المكان الذي كنت أصلى فيه، فماذا حدث !! لقد بال الطفل على سجاد الحرم ولوث المكان، جميع المصلين تركوا أماكنهم، ودارت جلبة في المكان، أي إحسان هذا أيتها الأم!!! سوف أترك لكم التعليق.

وفي ليلة قمراء أخرى قررت الذهاب إلى المسجد النبوي، بعد الساعة العاشرة مساء حتى أنعم بالهدوء والسكينة بين جنبات المسجد النبوي حيث ينصرف المصلون من صلاة العشاء وتنطفئ الأنوار العالية وتضاء جنبات المسجد بأضواء خافتة تبعث على المكان السكينة والراحة، وتجد عدداً قليلاً من المصلين منهم من أخذ جانباً يقرأ القرآن ومن جلس يدعو الله في خشوع، ومن قام متضرعاً إلى الله يصلي، كل من أتي المسجد النبوي في هذا الوقت هو منقطع للعبادة فقط، دخلت المسجد النبوي ولاحظت وجود الأطفال في الداخل، سوف أصف لكم المشهد كما عشت وشعرت، كبرت لأصلي تحية المسجد لم يكن المسجد النبوي الذي عهدت، بل حضانة أطفال لا أبالغ هذا هو التعبير الذي يصف ذلك المشهد، طفلتان تتدحرجان على سجاد المسجد النبوي بحركات بهلوانية وكأني في سيرك، طفلة أخرى تبكي وتصرخ ووالدتها تتابعها بكاميرا الجوال لتصورها وتوثق تلك اللحظة!! طفلة أخرى في شهورها الأولى تبكي بصوت مرتفع جداً فما كان من أمها إلا أن بدلت لها الحفاضأكرمكم اللهعلى سجاد المسجد النبوي وداخل الحرم، مجموعة أمهات كل واحدة برفقتها مجموعة من الأطفال مجتمعات في جلسة يتجاذبن أطراف الحديث والقصص، والأطفال يسرحون ويمرحون بين أروقة المسجد الحرام، وينغصون راحة المصلين، وكأنهم في حديقة عامة، ثلاث طفلات يلعبن الاستغماية بين أروقة المسجد النبوي، وواحدة منهن كادت أن تقع على إحدى المصليات، طفلة دخلت المسجد النبوي بوجبة خبأتها لها أمها في حقيبتها، كانت تأكل البطاطس ثم تتصفح المصحف بيدها الملوثة بالزيت، الحقيقة لم أتحمل المنظر والصوت المزعج، حملت نفسي وخرجت مسرعة. أين هو الإحسان أيتها الأم!

هذا هو حال المسجد النبوي بعد السماح للأطفال بالدخول إلى داخل المسجد النبوي، وأرى أن تمنع الرئاسة دخول الأطفال إلى داخل المسجد النبوي طوال السنة، وفي شهر رمضان يمنع دخول الأطفال إطلاقاً حتى في الساحات.

أعرف أن هناك العديد من سيعارض رأيي، لكن من رأي وشاهد ليس كمن سمع،    وأعرف أنه يجب أخذ الأطفال إلى المسجد ليعتادوا، كنا نذهب إلى المسجد النبوي وإلى المسجد الحرام للصلاة وقراءة القرآن، هنا يعتاد الأطفال على الذهاب إلى المسجد، ولكن يذهب الطفل ويجلس ليلعب بالجهاز اللوحي، أو الجوال، ويعبث براحة المصلين هذا هو المرفوض، فمتى تعي هذه الأم أن صلاتها في بيتها خير لها؟ متى تعي هذه الأم أن  صلاتها في المنزل إحسان تؤجر عليه بكف الأذى عن الناس؟ متى تعي الأم أن المسجد الحرام والمسجد النبوي للصلاة والعبادة، وليس للعب بالجوال أو الاستغماية، وجلسة سمر مع الصديقات؟ الإسلام خفف علينا ونحن نشق على أنفسنا، ونشق على المصلين بعبث أبنائنا.

ارحموا أطفالكم من ساعات الانتظار والتعب وشدة الحرارة، واحرموا المصلين من إزعاج أبنائكم.

كاتبة رأي

 

الدكتورة / سماح سعيد باحويرث

أديبة وأكاديمية وكاتبة رأي سعودية

‫2 تعليقات

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته جزاك الله كل خير دكتورة أنا أشارك في رأيك وبشدة مافي اي سكينه حبيت أشارك تجربتي من النساء الأجانب من غير ذكر جنسيه يوم الجمعة ذهبت للمسجد النبوي قبل الصلاة الساعة التاسعه صباحاً فرشت سجادتي واخذت المصحف ووضعته على الحقيبه وصليت سنة المسجد وتمر من قدامي امرأه رمت القران وماكان المكان مزدحم لا لا يوجد بجانبي احد مو لهذي الدرجة ماتشوفي السجاده ولا شايفتني اصلي شي يقهر ولمن قربت صلاةًالجمعه بدأ المسجد يزدحم جلسو بإنبي امرأتين ماوقفو كلام بس يتكلمو اذان خطبه وهم سوالف ماعرفت ايش اقول قهر شكرا فعلا لازمً تحترم افضل واطهر مكان مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى