كُتاب الرأي
رحلة البحث عن الحقيقة

سويعد الصبحي
رحلة البحث عن الحقيقة
في زحمة الحياة وضوضاء الأيام تُطوى الصفحات وتُنسى الغايات.
نلهث خلف السراب ونُفتن ببريق المتاع فنجعل من المال مَعبودًا ومن المناصب مَقْصودًا ومن الشهوات مَسْعى ومَرْكوبًا.
نركض خلف الحياة ظنًّا منا أنها لنا نُخطئ الطريق ونحسب أننا نحسن صنعًا.
نُشيِّد القصور ونعدّ الأرقام ونكدّس الذهب والدرهم دون أن نتفكر:
من أين؟
وفيما؟
ولماذا؟
ننسى أن الميزان هناك لا يزن الأموال بل الأعمال ولا يُرفع فيه العقار بل الإقرار:
(يوم تجد كل نفس ما عملت من خيرٍ مُحضَرًا وما عملت من سوءٍ تود لو أن بينها وبينه أمَدًا بعيدًا).
حين نكون في تمام العافية نظن أننا ملوك الأرض نُقصي من نشاء ونُقصِّر في العدل دون حياء نَبطِش بمن خالفنا ونُهوِّن من الخطأ إذا جاء من سوانا.
ولكن مهلاً
هل نحن حقًّا أقوياء؟
إن عَطسنا مرضنا وإن وُجعنا بكينا وإن فُقد منا حبيبٌ تحطمنا فهل من كان كذلك يُدعى قويًا؟
أم أنه وهمٌ من صنع الغفلة؟
تمرّ بنا الأيام وتفاجئنا اللحظات.
موتُ أمٍّ في ليلةٍ دافئة يُسقطك من أعلى الأبراج ويكشف لك أن الأمان لا يُشترى وأن الحنان لا يُعوّض.
مرضٌ مفاجئ يقصم الظهر ويُذلّ النفس ويُعيد ترتيب القناعات حتى تكتشف أن (اللهم عافِنا) أعظم من ألف دعاء.
وحين تدخل في نفق الحزن لا ترى فيه نورًا ولا تسمع فيه صوتًا تدرك أن الحياة ليست دائمًا ضاحكة بل فيها ما يُبكي الحجر ويكسر ظهر الفَحل.
في رحلة الحقيقة تمرّ بمحطات:
محطة الغفلة حيث تظن أن الخلود ممكن
ومحطة الصحوة حيث تكتشف أن الوقت لا ينتظر
ثم محطة الندم حين تتمنى لو أن الزمان يعود ولا يعود.
ولذا
اجعل من وعيك قنديلًا في ظلمات الطريق
ومن ضميرك حارسًا لا ينام
ومن تذكّر الآخرة مرآةً تصحح بها اعوجاجك
فالدنيا لا تُعطى لمن أحبها بل تُعطى من أعرَض عنها
والآخرة لا تُمنَح لمن تمنّاها بل تُوهَب لمن عمل لها.
في زمنٍ تعالت فيه الأصوات واختلط فيه الحق بالباطل لا بدّ من وقفة صدق تُراجع فيها نفسك وتسألها:
هل أنا حقًّا على الطريق؟
أم أنني تائهٌ في زُحام الزيف؟
فرحلة البحث عن الحقيقة لا تحتاج قدمًا تمشي بل قلبًا يُبصر.
ولا تحتاج خارطة بل نية صادقة.
فابحث عن حقيقتك قبل أن يأتيك من يُخبرك بها في ساعةٍ لا رجوع بعدها.