كُتاب الرأي

تكريم المعلم المتقاعد: واجبٌ تربويٌّ غائب أم مسؤوليةٌ مجتمعيةٌ مغيّبة؟

سويعد الصبحي

تكريم المعلم المتقاعد: واجبٌ تربويٌّ غائب أم مسؤوليةٌ مجتمعيةٌ مغيّبة؟

تمضي السنون وتتوالى الأعوام ويظل المعلم واقفًا على منبر العطاء ينثر من علمه ويغرس من قيمه ويصنع أجيالًا تحمل مشعل النور وتسير في درب النهوض والازدهار.
ومع نهاية الرحلة وبعد عقودٍ من البذل والإخلاص يغادر هذا المعلم الميدان تاركًا خلفه أثرًا لا يُمحى وتاريخًا لا يُنسى.
لكن السؤال الذي يطرق الأذهان ويؤلم الوجدان: أين التكريم؟ وأين الامتنان؟
في مدارسنا تُقام حفلات تقاعدٍ للمعلمين الذين تجاوزت خدمتهم خمسًا وعشرين سنة في ميادين التعليم غير أن تلك الاحتفالات – للأسف – تُموّل غالبًا من جيوب المحتفى بهم أو تُنظَّم بمبادراتٍ فردية من زملائهم المخلصين وكأنّ هذا العطاء المديد لا يجد في المؤسسة التعليمية من يقدّره تقديرًا رسميًّا أو يحتفي به احتفاءً يليق بمقامه ومكانته.
وهنا يثور التساؤل المشروع: أين دور وزارة التعليم؟ وأين مبادرات إدارات التعليم؟
أليس من حق من أفنى عمره في التربية والتوجيه أن يُكرَّم تكريمًا رسميًّا يحفظ له كرامته ويصون له مكانته؟
أليس من الواجب – لا المجاملة – أن يكون للمؤسسة التعليمية يد في صناعة لحظة الوداع لا أن تكتفي بالمشاهدة من بعيد؟
إنّ تكريم المعلم المتقاعد ليس ترفًا اجتماعيًا ولا مجرّد عرفٍ موروث بل هو حقٌّ أدبي ووفاءٌ أخلاقي ورسالةٌ تربوية تتجاوز حدود الشخص إلى عمق المبدأ.
فالتقدير العلني يغرس في النفوس الشابة ثقافة الاعتراف ويعزز في الأجيال القادمة قيمة الوفاء والاحترام.
نحن لا نطالب باحتفالاتٍ فارهة ولا موائد مترفة بل نرجو لفتةً رمزية تُعبّر عن التقدير وتشهد بأن المؤسسة لم تنسَ أبناءها بعد تقاعدهم.
أفلا يكون من المعقول – بل من المأمول – أن يُخصّص جزء يسير من دخل المقاصف المدرسية أو الموارد الذاتية للمدارس من أجل تكريم هؤلاء المعلّمين الأوفياء؟
وهل يُعجز إدارات التعليم أن تعتمد نظامًا داخليًا يُنظم هذا التكريم ويجعله تقليدًا سنويًا رسميًا يُحتذى ويُفتخر به؟
بل إن من أيسر صور الوفاء وأبسط مظاهره أن تُقدّم إدارة التعليم درعًا تذكاريًا رسميًا باسمها لكل معلم متقاعد يُسلَّم له في حفل تكريمه إن وُجد أو يُقدَّم له في آخر يوم من عمله في المدرسة بحضور مندوب من الإدارة أو أحد مسؤوليها ليكون هذا الدرع شاهدًا على التقدير وعنوانًا للاعتراف الجميل.
إننا نُناشد وزارة التعليم وإداراتها الكريمة أن تتبنّى هذا التوجه المبارك وأن تجعل من تكريم المعلم المتقاعد تقليدًا ثابتًا ولفتة وفاء تُسجَّل في صفحات النبل والاعتراف بالجميل.
فلسنا نطلب أكثر من لمسة تقدير وكلمة شكر تظل راسخة في ذاكرة من أعطى وعلّم وربّى وأنشأ.
ولعلّ في هذا التكريم ما يبعث الطمأنينة في نفوس من لا يزالون في الميدان ويغرس في الأجيال القادمة احترام المعلّم وتقدير مكانته.
فجزى الله كل معلمٍ ومعلمةٍ بذلوا من أعمارهم ونسأل الله أن يبارك في أعمارهم وأعمالهم وأن يجعل ما قدموه في موازين حسناتهم وأن لا يُحرموا لحظة وفاء تعكس شيئًا من جميل عطائهم.
ولكم من القلوب دعوة صادقة ومن الأرواح محبة خالصة ومن الحروف شكر لا ينضب.

كاتب رأي وإعلامي

سويعد محمد موسى الصبحي

كاتب رأي وإعلامي رياضي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى