حجة الوداع؛ بها اكتملت المناسك، وتم دين الله الذي أنزله على عبده ورسوله نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ويقال لها: حجة البلاغ، وحجة الإسلام، وحجة الوداع؛ لأنه عليه الصلاة والسلام ودع الناس فيها، ولم يحج بعدها. وسميت: حجة البلاغ؛لأنه عليه الصلاة والسلام بلغ الناس شرع الله في الحج قولا وفعلا، ولم يكن بقي من دعائم الإسلام وقواعده شيء إلا وقد بينه عليه الصلاة والسلام، فلما بين لهم شريعة الحج ووضحه وشرحه أنزل الله عز وجل عليه وهو واقف بعرفة:﴿ الْيَوْمَأَكْمَلْتُلَكُمْدِينَكُمْوَأَتْمَمْتُعَلَيْكُمْنِعْمَتِيوَرَضِيتُلَكُمُالْإِسْلَامَدِينًا ﴾.
فعن جعفر بن محمد ( الصادق)عن أبيه (محمد الباقر)، قال: دخلنا على (الصحابي الجليل): جابر بن عبد الله رضي الله عنه، فقلت: أخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال بيده فعقد تسعاً، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكث تسع سنين، لم يحج، ثم أذَّن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاج، فقدم المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتمَّ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويعمل مثل عمله…إلى بقية الحديث.[صحيح مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حديث رقم (1218)].
– التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛حيثيقول صلى الله عليه وآله وسلم:((وقدتركتفيكممالنتضلوابعدهإناعتصمتمبه:كتابالله))، وفي رواية:((وقدتركتفيكمماإناعتصمتمبهفلنتضلواأبداً،أمراًبيِّناً: كتابالله،وسنةنبيه))، وهذا الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، والتمسك بهما وفق فهم السلف الصالحفهو سبيل العزة والنصر والفوز في الدنيا والآخرة.
– ثانياً: سماتومظاهر التحول السياسي:
– التأكيد على الحفاظ على الكليَّات الخمس التي جاء الإسلام بحمايتها وصيانتها:حيثأكدصلىاللهعليه وآلهوسلمعلىثلاثكليات: حفظالنفس،والمال،والعرض،فقدحرَّمالتعديعلىالنفوسالمعصومة،والأموالالمحترمة،والأعراضالمصونةبقوله صلى الله عليه وآله وسلم:((إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم حرام عليكم؛ كحرمةيومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا))(صحيح البخاري: كتاب الحج، باب الخطبة أيام منى، حديث رقم (1739))، فكلالمسلمعلىالمسلمحرامدمه،وماله،وعرضه.
– القضاء على الموروثات والعادات الجاهلية التي تتعارض مع مبادئ الإسلام، وقيمه النبيلة، وأخلاقه السمحةحيثيقولصلىالله عليهآله وسلم:((ألاكلشيءمنأمرالجاهليةتحتقدميَّموضوع،ودماءالجاهليةموضوعة،وإنأولدمأضعمندمائنادمابنربيعةبنالحارث))[صحيح مسلم، كتاب الحج].
– ثالثاً: سماتومظاهر التحول الاجتماعي:
– التأكيد على مبدأ الأخوة والوحدة الإسلامية:والتيكانتمنأساسياتدعوتهوأولياتهحيثيقول صلى الله عليه وآله وسلم 🙁 (أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه، تعلمنَّ أن كل مسلم أخ للمسلم، وأن المسلمين إخوة، فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه، فلا تظلمن أنفسكم)).
– التأكيد على مبدأ المساواة بين الناس في أصل الخليقةحيثيقول النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم:((ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر؛ إلا بالتقوى، أبلغت؟)).
– الوصية بالنساء، والتأكيد على ما للرجل من حق على المرأة وما لها عليه من حقحيثيقول صلى الله عليه وآله وسلم :((فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن، وكسوتهن بالمعروف))، وهو تحول تاريخي اجتماعي في حياة الأمة وحياة نسائها؛ فأعطى للمرأة حقوقها، ووصى بها، وأكد على ذلك؛ فأعطاها حقَّها في الميراث وكانت من قبل لا تأخذ شيئاً، وجعل لها كرامة، وجعل لها رأياً ولم يكن لها من قبل رأي بل ولا اعتبار، ثم صانها الإسلام في بيتها.
– وأوصى بأهل البيت:عن زيد بن أرقم، قالقامرسولاللهصلىاللهعليهآلهوسلميوماًفيناخطيباًبماءيدعىخُمّاً بينمكةوالمدينةفحمداللهوأثنىعليهووعظوذكرثمقال: ((أمابعد،ألاأيهاالناسفإنماأنابشريوشكأنيأتيرسولربيفأجيب،وأناتاركفيكمثقلين،أولهماكتاباللهفيهالهدىوالنورفخذوابكتاباللهواستمسكوابهفحثعلىكتاباللهورغبفيهثمقالوأهلبيتي،أذكركماللهفيأهلبيتي،أذكركماللهفيأهلبيتي،أذكركماللهفيأهلبيتي)).فقاللهحصين:ومنأهلبيتهيازيدأليسنساؤهمنأهلبيته؟قال:نساؤهمنأهلبيته،ولكنأهلبيتهمنحرمالصدقةبعده،قال:ومنهمقالهمآلعليوآلعقيلوآلجعفروآلعباس،قال:كلهؤلاءحرمالصدقة،قال:نعم[صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حديث رقم (2408)].
– رابعاً: سماتومظاهر التحول الاقتصادي:
– حرمة التعامل بالربا:حيثيقول صلى الله عليه وآله وسلم :((ورباالجاهليةموضوع،وأولرباأضعربانارباعباسبنعبدالمطلب،فإنهموضوعكله))، فقد قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚفَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ .
– بيان حق الميراث والنسب، والتحذير من التبني:وفيهذهالمسألةيقول صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله قسم لكل وارث نصيبه من الميراث، فلا يجوز لوارث وصية، الولد للفراش، وللعاهر الحجر، ومن ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل))[سنن ابن ماجه، كتاب الوصايا، باب لا وصية لوارث، حديث رقم (2712)].
فبعدما بيَّن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بيَّن في خطبته، قال للصحابة: ((وأنتم تُسألون عني، فما أنتم قائلون؟!)) قالوا: “نشهد أنك قد بلَّغتَ رسالات ربك، وأدَّيت، ونصَحت لأمَّتك، وقضيتَ الذي عليك“، فقال بإصبعه السبابة، يَرفعها إلى السماء ويَنكتها إلى الناس: ((اللهم اشهَد، اللهم اشهَد)) وأن يبلغ الحاضر الغائب، أو الشاهد الغائب، قال عليه الصلاة والسلام: ((فرب مبلغ أوعى من سامع)).
لمزيد من التفاصيل، انظر: التحولات التاريخية للمدينتين المقدستين (مكة والقدس).
مقالة رائعة وجديرة بالحوار المتعمق واتت فى اوانها وزمانها ولكن وللاسف الشديد ملاى باخطاء طباعية شنيعة كادت تفسد رونقها فهل لها من تلاف ؟!!