عالم صوفي

وليد قادري
عالم صوفي
في أول مرة وقعت عيناي فيها على الكتاب فسرت العنوان بأنه يتناول الصوفية وعوالمها، لم أكن مصيباً أو مخطئاً حينها، فالرواية تتحدث عن تاريخ الفلسفة، فالفيلسوف هو باحث عن الحقيقة والصوفية هي فلسفة روحية إلى حدٍ ما، وكلاهما ينتهج ويبحث عن الحكمة، والتي تأتي بنطق (صوفي) أيضاً في اللغة اللاتينية..
كتب هذه الرواية النرويجي جوستاين غاردر في أوائل تسعينات القرن الماضي وترجمت إلى 50 لغة، وتدور حبكة الرواية حول ثلاث شخصيات: صوفي فتاة في ال14 من عمرها تعيش مع أمها وحيواناتها الأليفة وتفاجئ في يومٍ ما برسالة من رجل غامض اسمه ألبرتو كونكس يسألها عن الذات والحياة ويعطيها تلميحات وإرشادات تتبعها صوفي لتعيش مغامرة شيقة تتعرف فيها يوماً بعد يوم على تاريخ الفلسفة في ظروف مهيئة من ألبرتو تناسب كل عصر فلسفي يتناقشون فيه، وبينما هم يتحاشون ملاحقة شخصية خارقة وهي الجنرال ألبرت كناج، تتعلم صوفي أن إتقان الفلسفة هو الطريق الوحيد للنجاة منه ومعرفة الإجابات لكل أسئلة العالم..
بسّط المؤلف الرواية بشكل يناسب جميع الأعمار وتناول فيه جميع الفلسفات القديمة كاليونانية والحديثة كالوجودية والعبثية والأخلاقية وغيرها في قالب مثير، وهنا يتجلى دور المؤلف في ربط الأدب بالفلسفة، ولم يكن غاردر أول من حاول ذلك لكنه الأول في تبسيطها وقولبتها في إطار تشويقي..
لقد لخص ويل ديورانت الفسلفة في كتابه (قصة الفلسفة) وهناك بالمثل العديد من الروايات التي تحدثت عن الفلسفة بشكل أو بآخر وتضمنت حوارات فلسفية عالية المستوى، وأقدم محاولة هي محاورة (الجمهورية) لأفلاطون والتي يحادث فيها ثلاثة أشخاص عن العدالة والنظام والمدينة الفاضلة (يوتوبيا) والتي كتب عنها أيضاً الفيلسوف المسلم (الفارابي)، وكان علم الكلام كما سماه المسلمون مثيراً للجدل لنقلهم هذا العلم من كتب الفلاسفة اليونانيين القدماء حيث انتقدهم ابن تيمية وكذلك الغزالي في كتابه (تهافت الفلاسفة) ورد عليه ابن رشد في كتابه (تهافت التهافت)، أما في العصر الحديث فكانت الفلسفة الغربية طريقاً لنهضة أوروبا ضد الكنيسة ومع ثورة العلم، فلا ننسى دور (كانط) الذي نقد العقل و(ديكارت) المنطقي صاحب مقولة (أنا أفكر إذاً أنا موجود) و(اسبينوزا) الأخلاقي و(سارتر) الوجودي والذي تأثر به الكاتب الراحل (أنيس منصور) كثيراً في مقالاته خصوصاً في كتابه (وداعاً أيها الملل)..
من الروايات التي تحدثت عن الفلسفة، تعمق الفيلسوف الألماني نيتشة في روايته (هكذا تكلم زرادشت) في فكرة الرجل السوبرمان والتي أثرت بشكل كبير على معتنقي النازية وسمو العرق الآري على بقية الأعراق، وفي رواية (حي ابن يقظان) للاندلسي ابن الطفيل تحدث عن البحث عن الذات والخالق والهدف من الحياة ولا بد أن أنوه على تأثر قصتي روبنسون كروزو وطرزان بهذه الرواية، ومن الأمثلة أيضاً رواية (اسم الوردة) لامبرتو ايكو وروايتي (الغريب) و(سقوط سيزيف) لالبير كامو التي تنتمي للرواية (العبثية) وأيضاً رواية (الأبله) لديستوفيسكي التي تناولت المثالية وسط المجتمع وروايات (سدهارتا) للألماني هيرمان هسه و(الخيميائي) لباولو كويلو و(زوربا اليوناني) لكازانتزاكيس و(على أبواب الملحمة) لصلاح الراشد وكذلك العديد من الروايات والمسرحيات العربية والمحلية التي انتهجت (الحداثة) و(التجريب) في عصرنا الحالي ..
بينما في عالم السينما نجد روائع مثل:
Cloud Atlas- The matrix- after the dark – agora – 2001 a space odyssey- the fountain- being there- Mr. nobody – the man from earth
تتحدث عن أفكار فلسفية مختلفة حول الذات والكون والروح والهدف من وجودنا في الحياة ولعل آخرها المسلسل الجميل westworld ..
من الصعوبة بمكان ذكر جميع الروايات والافلام التي تتناول الفلسفة، لك عزيزي القارئ أن تبحث وتتعلم وتثري عقلك بداية من قراءة الرواية الرائعة (عالم صوفي) والمرور على الاقتراحات التي ذكرتها في المقال..
أختم بفكرة البحث عن الحقيقة والتي جسدها لنا فعلياً سيدنا ابراهيم عليه السلام في حواراته في القرآن وسيدنا سلمان الفارسي الذي لم يستكن للفكر بل تحرك من بلدٍ لآخر إلى أن وصل لغايته في اعتناق دين محمد ﷺ..
كاتب رأي