كُتاب الرأي

الروبوت أم الإنسان

مشعل الحارثي

الروبوت أم الإنسان

في احدى ليالي مجلس الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة شفاه الله وعافاه طلب سموه من رواد مجلسه البحث في العلاقة مابين العلم والروح والنفس وأن نخبره بما توصلنا إليه في جلسة الأسبوع القادم ،وعندما حل الوقت المعلوم اتيح لي المجال لأكون أحد المتحدثين في تلك الليلة عن هذا الموضوع فقلت : اليوم غير الأمس وهناك تغييرات خطيرة في حياتنا بما تحمله من مسار ومضار ومالها من تقدم أوتأخر ،وكل هذه التغيرات الشاملة تحتاج منا الى فحص وتمحيص وتأمل وتدقيق، فالعلماء اليوم في سباق محموم ،والتكنولوجيا تسارع الزمن بما يفوق الخيال ويتجاوز حدود العقل والمنطق والمحال ،مؤكدة انتهاء عهد الكسل والتواكل والعمل البطيء ولتعلن للجميع بأن من يمتلك المعرفة والتكنولوجيا اليوم يمتلك القوة والثروة والسلطة كونها أصبحت صناعة عالمية واعدة ،وسوق استثمارية رائجة تدر مئات المليارات من الدولارات ، بل غدت معيارا هاما لقياس قوة الدول الصناعية .
ومنذ الأزل وحتى الآن كان محور صراع العلم والعلماء ومحاولاتهم المستميتة منصبة على فهم ماهية الإنسان والوصول لفهم لغز العقل البشري وعلاقتها بالنفس والروح ، ولازالوا حتى اللحظة في سباقهم المحموم للوصول إلى هذا السر العظيم .
وكان من نتاج وصور عصر العلم الحديث وهذا السباق المحموم اختراع الإنسان الآلي(الروبوت)، وهو في أصله مصنوع والإنسان هو الصانع ، والمصنوع وكما عهدنا دائما في خدمة الصانع ،وكما عرف ذلك من أصل مسماه بأنه العبد والخادم .
وبما أننا نقف اليوم على أعتاب الثورة الصناعية الرابعة وعصر مابعد الإنسانية..عصر تدفق المعلومات والوسائط والتقنيات، وانترنت الأشياء ، وأمام الإمكانيات القادمة والمثيرة لعالم الروبوتات او الدمى المتحركة سواء تلك التي تستخدم على الأرض او التي تسبح تحت المحيطات لتكتشف الأماكن التي يصعب الوصول اليها ،أو التي تعمل في الفضاء وتسبر اغوار الحياة على الكواكب الأخرى، او التي تستخدم في الحروب و في الطب و الجراحة والصناعة، او تلك التي تعتمد على أنظمة الذكاء الاصطناعي والسيارات ذاتية القيادة وغيرها من المجالات . مايجعلنا ذلك نقف في حيرة ودهشة ويثير في النفس العديد من التساؤلات ..وأولها هل سنكون في خضم هذا الطوفان القادم بقوة مشاركين أم مستهلكين ؟ هل سناخذ بأسباب العلم والتكنولوجيا وتوطين المعرفة وصناعة العلماء ونطوعها لخدمة الإنسانية ورفاهيتها لا في خرابها وتدميرها ؟
ثم يبقى السؤال الذي أعجز علماء الأرض وان اجتمعوا له ومازال قائما منذ بدء الخليقة والى زوالها ، هل باستطاعة العلماء أن يخلقوا الروح؟ ،وأن يزرعوا في الإنسان الآلي (الروبوت) مايتحلى به الإنسان من تلك القيم والمشاعر والأحاسيس ؟ وان كان العلماء قد توصلوا مؤخرا الى ايجاد نصف مخلوق بشري بما زودوا به الروبوت بشرائح تحمل بعضا من هذه المشاعر المصطنعة الا ان المنطق والحق يشير إلى أن الإنسان يظل هو الكيان المبدع المفكر صنعة خالق الأكوان ونفحة من روحه جل وعلى وأن النفس مستقر لهذه الروح وكما قال الحق تبارك وتعالى ،(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا )، اي ان أمر الروح جوهر مكنون لايعلم كنهه الا الله وحده ، ولذلك يصعب على البشر فهمه وفك أسراره لانه أكبر من عقولهم وفوق فهمهم ،ولذلك ستظل عجلة العلوم ماضية تعدو وتكشف لنا كل يوم عن تطور وفتح جديد ،والخوف كل الخوف أن يأتي اليوم الذي لايستطيع فيه الإنسان مسايرة وملاحقة كل هذه التطورات المتسارعة التي لاتعترف بالهدوء والسكينة وتحيله الى عالم المنقرضات.

كاتب رأي

 

 

مشعل الحارثي

كاتب رأي وإعلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى