حشاشون وقتلة

وليد قادري
حشاشون وقتلة
فكرة الاغتيال قديمة قدم التاريخ وتعني قتل خصم أو شخصية معروفة لتحقيق أهداف شخصية وهي أقدم أداة في صراع القوى وقد لجأ لها العديد من السياسيين والملوك ورجال الدين عبر التاريخ وأول من استخدمها قابيل ضد أخيه هابيل في بداية التاريخ الإنساني والقصة مشهورة في القرآن الكريم..
من الصعوبة بمكان تلخيص تاريخ القتل والاغتيالات في مقال واحد ولكن لعلي أشير إلى أبرز الأحداث والجماعات التي امتهنت هذه الحرفة..
أقدم إشارة تاريخية للاغتيال كانت في الهند عندما أمر امبراطور ماوريا باغتيال جنرالين من جنرالات الاسكندر الأكبر وذكرت في كتاب (أرثاشاسترا) في القرن الرابع قبل الميلاد، في الصين أيضا تذكر محاولة للأمير (يان) حين أمر باغتيال ملك الكين Qin شين هوانج وباءت المحاولة بالفشل، كذلك قصة جوديث اليهودية التي حررت بني اسرائيل من اضطهاد السوري هولوفيرنس بعدما استمالته واغتالته، والقصة الشهيرة لاغتيال يوليوس قيصر من بروتس وأصدقائه والتي فصلها شيكسبير في مسرحيته الشهيرة..
تفاوتت أدوات الاغتيال عبر العصور من السم للسكاكين والسيوف وإلى أن وصلت للبنادق ذات المدى البعيد في عصرنا الحالي..
في العصور الوسطى كانت هناك العديد من الاغتيالات في أوروبا وممالك الشرق الأوسط من جماعات عدة كالوردة وفرسان الهيكل فقتل ملوك وقساوسة وحتى وزراء وولاة عثمانيون وكانت هناك محاولات لاغتيال الخلفاء العثمانيين لكن لم يكتب لأحدها النجاح ولعل أشهر منفذي عمليات الاغتيال في تلك الفترة جماعة (الحشاشين) الاسماعيلية النزارية والتي تبنت الاغتيال السياسي بمقابل أجر وكان مؤسسها حسن الصباح يحبس أتباعه في قلعة الموت شمال إيران ويغريهم بالفاتنات والخمر والعسل ويدس لهم الحشيش ثم يقطعه عنهم حتى يؤدوا مهام القتل ثم يعودوا للنعيم، من أشهر ضحاياهم الوزير السلجوقي الفذ نظام الملك والعديد من الملوك والوزراء وقادة الجيوش العرب والصليبيين والمغول في تلك الفترة، حتى قضى عليهم المغول بعد معاناة وأبادوهم إبادة كاملة في القرن السابع الهجري، تحدث عنهم الايطالي ماركو بولو وأضاف الكثير من الأحداث الخيالية، وتناقلت رواياته عبر أوروبا وأرعبتهم وتحرف اسمهم من حشاشين إلى assassins بمعنى القتلة المأجورون..
تجد قصتهم كاملة في رواية (قلعة النسور – آلاموت) للسلوفيني فلاديمير بارسول وفي رواية (سمرقند) الرائعة لأمين معلوف وأيضا في قصة قلعة الحشاشين للمبدع د. أحمد خالد توفيق..
من الجماعات أيضا التي احترفت القتل، طائفة السيكاري اليهودية والتي اغتالت العديد من الرومان أثناء احتلالهم للقدس قبيل وبعد بعثة سيدنا عيسى عليهم السلام، ولليهود تاريخ مع الاغتيال حيث حاولوا اغتيال سيدنا محمد ﷺ المعلم الأعظم بإلقاء صخرة عليه في بني النضير وبدس السم من اليهودية زينب بنت الحارث في خيبر وتوفي الرسول ﷺ بعدها بسنوات وهو يشعر بأثر السم، وسبقهم قريش في ذلك حين ألبوا القبائل واختاروا رجلا من كل قبيلة لاغتياله في فراشه ولكنهم وجدوا سيدنا علي رضي الله عنه مكانه ففشلت خطتهم..
هناك أيضا طائفة الشينوبي أو النينجا اليابانية وجماعة المافيا الايطالية وكارتيلات المخدرات الكولومبية والمكسيكية وفي تاريخهم آلاف الاغتيالات الموثقة تاريخيا..
في العصر الحديث أذكر أيضا اغتيال العديد من الأباطرة الروس قبل الثورة، وكانت بداية الحرب العالمية الأولى بسبب اغتيال الأمير النمساوي فرانز فرديناند، والحرب الباردة التي كانت تسمى بحرب الجواسيس وتطورت من قتل السياسيين إلى قتل العلماء أيضا، ولا ننس محاولات الاغتيال المتكررة للرؤساء الأمريكان والتي لم ينج منها لينكولن وكينيدي لوقوفهم ضد مصالح بعض المتنفذين، وأيضا اغتيال النشطاء مالكولم إكس ومارتن لوثر كينغ وعلى إثر ذلك تساوت حقوق البيض والسود في أميركا..
أشهر صراعات الاغتيالات في عصرنا الحالي كانت بين الاسرائيليين والفلسطينيين والتي أشعلت سلسلة من الاغتيالات أشهرها في أولمبياد ميونخ 1976 واغتيال الشيخ أحمد ياسين والرئيس عرفات وحادثة اللبناني رفيق الحريري والتي لم يعلن للآن الجهة المسؤولة عن اغتياله..
وقد تحدث الدكتور نبيل فاروق عن اغتيالات الجواسيس والنينجا في سلسلة رجل المستحيل (أدهم صبري )، والأفلام التي تتحدث عن الاغتيالات كثيرة جدا وأشهرها (العراب) بأجزائه الثلاثة واللعبة الشهيرة assassin’s creed..
أما لماذا يلجأ الإنسان للقتل للتخلص من منافسيه؟!
هذا السؤال قديم سبق الفلسفة وقد داهم السؤال غرابا في زمن ما وهو يشاهد أخًا يقتل أخيه ليدشن بذلك بداية سلسلة لم تنته بعد، ولكن العين بالعين والسن بالسن، والعدل سيد الموقف.
كاتب رأي
قرأت مقالك بكثير من التوجس والتأمل، وكأنك أمسكت بخيط أحمر يمتد من يد قابيل إلى يد آخر قاتل، مرورًا بخناجر النينجا، وسمّ الحشاشين، ورصاص المافيا.
تاريخ طويل من الاغتيالات لا ينتهي، وكأن القتل لم يعد مجرد وسيلة، بل تحول إلى فلسفة تُدرّس، وتُباع، وتُروى في حكايات البطولة والمقاومة والثأر.
فعلاً، يظل السؤال الأخير حاضرًا في الذهن: لماذا يختار الإنسان القتل؟
طرح موفق، يستحق التوقف والتأمل.
الشكر لك جدا يا مبدعة
ولولا التقيد بمساحة معينة لاستعرضت مزيدا من هذا التاريخ الدموي