كُتاب الرأي

الحرب الخاسرة: حين ينتصر الصفح وتنهزم الأهواء

سويعد الصبحي

الحرب الخاسرة: حين ينتصر الصفح وتنهزم الأهواء
في ساحة الحياة الواسعة حيث تتقاطع طرقنا وتتداخل مصائرنا تعترضنا ابتلاءات واختبارات شتى لعل من أشدها وقعًا على النفس تلك التي تقع بين الإنسان وأهله وأقرب الناس إليه.
إنها معركة خفية تدور رحاها بين الأرواح والقلوب. خلافات الأقارب تلك التي قال عنها نبينا صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة قاطع» (رواه البخاري) أي قاطع رحم.
إنها الحرب التي لا يخرج منها أحد منتصرًا بل الكل فيها خاسر إذ لا يغنم منها إلا الندم والحسرة وقطيعة الرحم وما أشد خطرها في ديننا الحنيف.
قال الله تعالى:
(وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ) [النساء: 1]
فالأرحام لها حرمة عظيمة وخلاف الأقارب يفتك بها فتكًا لا تداويه الأعوام.
يبدأ الأمر بكلمة طائشة أو موقف عابر لكنه ما يلبث أن يتأصل ويشتد تغذيه الأهواء ويؤججه الشيطان الذي يسعى دائمًا للفرقة كما جاء في الحديث: (إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم )رواه مسلم). فيتحول الصمت إلى قطيعة والتجاهل إلى جفاء، وتتبدل بيوت الألفة إلى ساحات صراع صامت.
قد يظن بعض الناس أن الغلبة تكون بعلو الصوت أو بكثرة الحجة فيحسب نفسه غالبًا وهو في الحقيقة من أعظم الخاسرين.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ يلتقيان فيُعرض هذا ويُعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) (رواه البخاري ومسلم).
فالنبي جعل المبادر بالصلح هو خير الفريقين بل هو المنتصر الحقيقي وإن بدا ضعيفًا في نظر الناس.
في نزاعات الأقربين خسارة الود أثقل من كسب موقف.
إن كسب الجدل لا يعوّض فوات الألفة والنصر الظاهري لا يغني عن طمأنينة القلب وسكينة النفس. قال تعالى:
(فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) [الأنفال: 1]
فالأمر واضح بأن الإصلاح هو الأصلح لا المكابرة أو الإصرار على الخصومة.
السيف المضيء: سيف الحِلم والحكمة
ليس السيف الذي ينبغي أن يُشهر في مثل هذه المواقف سيف الحدة أو القسوة بل سيف الحلم والصفح.
قال تعالى:
(وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران: 134]
أن تكون فارسًا نبيلاً يعني أن تكظم الغيظ أن تعفو عند المقدرة وأن تتسامى فوق الخلاف طلبًا لمرضاة الله. فهذا هو الموقف الذي يورثك محبة الله.
قطيعة الرحم لا تضر الفرد وحده بل تمتد آثارها إلى المجتمع كله.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(إن الرحِم مُعلّقة بالعرش تقول: مَن وصلني وصله الله ومَن قطعني قطعه الله) (رواه البخاري ومسلم).
وهل أعظم خسارة من أن يقطع الله رحمته عمن يقطع رحمه؟
الخلافات إذا استمرت تنخر في جسد الأسرة تبث الفرقة في الأجيال القادمة وتُعلّم الأبناء ثقافة القطيعة والهجر لذا جاءت الشريعة بالتأكيد على صلة الأرحام حتى مع وجود الأذى.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها) (رواه البخاري).

2 / 2
إن أعظم انتصار في هذه المعارك أن ننتصر على أنفسنا وعلى كبريائنا وعلى نزغات الشيطان.
فلنكن ممن قال فيهم الله تعالى:
(وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ۖ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ) النحل: 126]
لنختر طريق العفو ولنسعَ في إصلاح ذات البين فهو أفضل الأعمال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البين) (رواه أبو داود والترمذي).
فلنربِّ أنفسنا وأبناءنا على قيم التسامح والوصل ولنكن دعاة خير وسلام في أسرنا ومجتمعنا.
لأن في ذلك تحقيق لمقاصد الشريعة وترسيخ لنهج الوسطية والاعتدال الذي ندعو إليه ونعيشه في وطننا المبارك.

كاتب رأي و إعلامي

سويعد محمد موسى الصبحي

كاتب رأي وإعلامي رياضي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى