القدرات البشرية: أول لبنات بناء المجتمعات

سويعد الصبحي
القدرات البشرية: أول لبنات بناء المجتمعات
عندما نتأمل في نهضة المجتمعات وازدهار الحضارات نجد أن حجر الأساس الذي تقوم عليه جميع الإنجازات هو القدرات البشرية.
فالأفراد بمهاراتهم ومعارفهم وأخلاقياتهم هم من يشكّلون نسيج الأمة ويقودونها نحو التقدم والرقي. ولأن الإنسان هو محور التنمية فإن تنمية قدراته تبدأ من مراحل مبكرة في بيئة تعد هي الأولى والأهم: المنزل.
المنزل ليس مجرد مكان للسكن بل هو أول مدرسة يتلقى فيها الطفل أبجديات الحياة:
يتعلم القيم والمبادئ ومهارات التواصل وأساسيات التفكير.
فالأبوين هما أول معلمين للطفل وسلوكياتهم تمثّل النموذج الأول الذي يحتذي به.
وهنا يتشكل الوعي الأولي الذي يرافق الطفل ويؤثر في مسيرة حياته لاحقًا.
في هذه البيئة ينمو حب الاستكشاف وتعزز الثقة بالنفس ويتعلم الطفل مفاهيم مثل المسؤولية التعاون والاحترام.
وعندما تكون بيئة المنزل داعمة ومحفزة فإنها تضع أساسًا متينًا لتكوين شخصية سوية ومجتمع متماسك في المستقبل.
عندما ينتقل الطفل إلى المدرسة تتسع دائرة تعلّمه وتنضج مهاراته.
المدرسة لا تقتصر على تقديم المعارف الأكاديمية فقط بل تساهم أيضًا في صقل المهارات الاجتماعية تنمية التفكير النقدي وتعزيز قيم الانتماء والمواطنة. المعلمون يلعبون دورًا محوريًا في اكتشاف مواهب الطلاب وتوجيههم كما أن الأنشطة المدرسية والمناهج التعليمية تسهم في تشكيل قدراتهم الذهنية والعاطفية.
إضافة إلى المنزل والمدرسة يأتي دور الأصدقاء. فالصداقة تتيح فرصًا للتفاعل الاجتماعي تبادل الأفكار وتنمية المهارات الحياتية مثل التعاون التفاوض وحل النزاعات.
الأصدقاء يشكّلون دائرة دعم وتقدير ويساهمون في تعزيز الهوية الذاتية وبناء الثقة بالنفس.
انطلاقًا من إيمان المملكة العربية السعودية العميق بأهمية القدرات البشرية جاءت رؤية المملكة 2030 لتضع الإنسان في قلب مسيرة التنمية الوطنية.
فقد أكدت الرؤية أن تنمية رأس المال البشري هي المحرك الأساسي لتحقيق التحول الوطني وبناء اقتصاد مزدهر ومجتمع حيوي.
من أبرز المبادرات والبرامج التي أطلقتها المملكة لتنمية الإنسان:
•برنامج تنمية القدرات البشرية الذي يهدف إلى إعداد مواطن منافس عالميًا يمتلك المهارات والمعارف اللازمة لسوق العمل المستقبلي.
•مبادرة مهارات المستقبل التي تقدم برامج تدريبية متقدمة في المهارات الرقمية الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات.
•برنامج الابتعاث الخارجي الذي يتيح الفرصة للطلاب لاكتساب تعليم عالمي والمساهمة بخبراتهم في الوطن.
•مبادرة تطوير الطفولة المبكرة لتحسين جودة التعليم والرعاية للأطفال في أعمار صغيرة.
•برنامج تمكين المرأة الذي يعزز مشاركتها في سوق العمل عبر برامج تدريب وتأهيل مهنية.
رغم الجهود الكبيرة إلا أن هناك تحديات تستدعي استمرار العمل والتطوير، منها:
•نقص المهارات الرقمية لدى بعض الفئات مما يتطلب تكثيف التدريب والتأهيل.
•ضعف مستويات إتقان اللغات الأجنبية مما يؤثر على قدرة بعض الخريجين على المنافسة في سوق العمل العالمي.
•الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل وهو ما تعمل المملكة على معالجته عبر تحديث المناهج وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص.
التكنولوجيا الحديثة أصبحت رافدًا مهمًا في تنمية الإنسان السعودي:
•التعلم الإلكتروني عبر منصات مثل (مدرستي) (رواق) و(إدراك) أتاح فرص تعليم مستمر ومرن لجميع الفئات.
•التطبيقات التعليمية مثل (اعتماد) (مهارات) و(كلاسيرا) ساهمت في تطوير المهارات الأكاديمية والمهنية.
•برامج الذكاء الاصطناعي والروبوتات في المدارس والجامعات تشجع الابتكار وتعزز التفكير التحليلي لدى الشباب.
تنمية الإنسان لا تنعكس فقط على الجانب الاجتماعي والثقافي بل تترك أثرًا اقتصاديًا مباشرًا:
•زيادة الإنتاجية عبر تمكين الأفراد من أداء مهامهم بكفاءة أعلى.
•تحفيز ريادة الأعمال بفضل برامج دعم المبدعين وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
•تحسين جودة الحياة من خلال تمكين الأفراد من وظائف مجزية وحياة مستقرة مما يعزز الاستهلاك والاستثمار المحلي.
إن بناء القدرات البشرية لا يتم في بيئة واحدة بمعزل عن الأخرى بل هو ثمرة تكامل بين المنزل والمدرسة والأصدقاء والمجتمع ككل.
وكلما انسجمت هذه البيئات في رسالتها زادت فرص بناء أفراد متزنين قادرين على الإسهام في تقدم مجتمعاتهم وهو ما تسعى المملكة إلى تحقيقه من خلال برامجها ومبادراتها الطموحة.
في النهاية يظل الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الأكثر قيمة وأطول أثرًا.
تنمية القدرات البشرية ليست خيارًا بل ضرورة وطنية لتحقيق طموحات رؤية المملكة 2030 وبناء اقتصاد معرفي تنافسي.
ومع تضافر جهود الأسرة والمدرسة والدولة والقطاع الخاص يمكننا أن نُهيّئ أجيالًا سعودية قادرة على الابتكار والعطاء وقيادة المستقبل بثقة واقتدار فبقدراتنا نبني مستقبلنا.
كاتب رأي