كُتاب الرأي

عُظماء في الذاكرة

وداد بخيت الجهني

عُظماء في الذاكرة

هناك أدباء، وشعراء، ومؤلفون عُظماء نشعر معهم بالأنس، أرواحنا تلتقي بهم حتى وإن غيبهم الموت عنَّا تاركين لنا إرثهم الإبداعي الذي يُكسبنا إلهاماً جديدًا.
وأحد هؤلاء العظماء هو الأديب السعودي طاهر زمخشري – يرحمه الله- الذي يُعد من أكبر شعراء المملكة قامةً، وأغزرهم إنتاجاً، وأعظمهم تأثيرًا ، وأكثرهم شهرةً، ولد أديبنا المبدع في مكة المكرمة في يوم ٢٧رجب عام ١٣٣٢ه-٢٢يونيو1914م – ويُعد من الرَّعيل الأول الذي أسس حراكاً إبداعياً في المملكة في المجالين الأدبي ،و الإعلامي، بدأ حياته العلمية في (كُتّاب النوري) ثم ألتحق بمدرسة الفلاح في مكة المكرمة وأنهى تعليمه فيها عام 192‪9م.
وقد تنقل في عدد من الوظائف الحكومية على مدى 20 عامًا حتى أستقر به الحال في دار الإذاعة فأنجز العديد من الأعمال التي أثرت الأدب،والفكر، والإعلام من أهمها تأسيس أول فرقة موسيقية للإذاعة،و تقديم برامج إذاعية تجاوز عددها عشرين برنامجًا من أهمها، برنامج الأسرة، وروضة المساء، ويوم جديد…وبرامج تلفزيونيةمنها، برنامج دعاء السَّحَر، وبرنامج من هدى النبوة، ويارب، ترأس تحرير أول صحيفة سعودية “البلاد” ويعتبر أول معلق وكاتب رياضي في المملكة،كماأشرف على أوُّل نقل لصلاة جمعة من المسجد الحرام، والمسجد النبوي، ونقل مناسك الحجِّ من المشاعر المقُدَّسة في عرفات،ومِنى، اشتهر باسم (بابا طاهر) نسبةًإلى برنامجه الإذاعي الذي يحمل اسم (ركن الأطفال ) الذي كان أول برنامج موجه للأطفال في المملكة العربية السعودية وقد عبر عن اهتمامه، وعشقه لطفولتهم بقوله :” الأطفال عشقي الأول والنهائي والأخير… فالطفولة هي الوطن والحياة” كما أصدر أول مجلة سعودية للأطفال وهي (مجلة الروضة ) التي صدر عددها الأول في 17سبتمبرعام 195‪9م إلاّ أن مدة صدورها لم تطل حيث توقفت بعد فترة قصيرة من الزمن، ولكنها فتحت المجال أمام مُبادرات أُخرى،كما أنه يُعد صاحب أول ديوان شعري يُطبع في تاريخ الشعر السعودي الحديث وهو ديوان (أحلأم الربيع) الصادر عام 194‪6م.
كانت روح شاعرنا جوَّابة لاتستقر في مكان؛ فعاش حياة الغربة حيث أقام طويلاً في مصر ثم أنتقل إلى تونس حيث كرمته الحكومة التونسية ومنحته وسامين في 196‪3م-1973م كما مُنح جائزة الدولة السعودية التقديرية في الأدب لعام ١٤٠٤ه – 198‪4م في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود – رحمه الله- ولأديبنا العديد من الدواوين الشعرية التي تُقدر بما يُقارب (٣٠) ديوان شعري من أهمها ديوان”أحلام الربيع” – ديوان “همسات” – ديوان “الأفق الأخضر” – ديوان “أغاريد الصحراء” ديوان ” ألحان مغترب” وقد تُِرجمت بعض قصائده إلى اللُّغات الإنجليزية، و الألمانية، والفرنسية وذلك بطلب من منظمة اليونيسكو. أيضًا أبدع أديبنا في تأليف النصوص الغنائية التي قدتجاوز عددها 200‪نص غنائي تنوعت مابين أناشيد دينية، وأغاني عاطفية،ووطنية وأول من تغنى بأشعاره الفنان سعيد أبو خشبة، وغيره من الفنانين الذين تبناهم محليًا، وإقليميًا أمثال ابتسام لطفي، وطلال مداح، ومحمد عبده… .
ربطته علاقة صداقة بالعديد من الأدباء والشعراء، من أبرزهم الشاعر الأمير عبدالله الفيصل،و أحمد رامي، وفاروق جويدة، ومحمد سرور صبان وغيرهم كثيرون، توفي في ٢شوال عام ١٤٠٧ه عن عمر يُناهز الثلاثة وسبعين عامًا – يرحمه الله – في مدينة جدة ودُفن في مسقط رأسه مكة المكرمة في مقبرة المَعَلاةُ.
وقد تجلى إبداع أديبنا في قصائده التي يمزج فيها بين الحكمة، والرومانسية، أجتزُ منها بعض الأبيات كقوله :
أبكِي وأضحَكُ والحالاتُ واحِدَةُ
أطوي عَليها فؤادًا شقّهُ الألَمُ
فإن رأيتَ دمُوعِي وهي ضِاحِكةُ
فالدمعُ مِن زحَمَة الآلام يَبتسمُ
ومن روائعه ايضًا أبياتًا من قصيدته (النفس المؤمنة)
إيه يانفسُ إلى الله أنيبي ثم تُوبي
وإذا وسوس شيطاني بإثٍم لاتُجيبي
واذكري الله ففي صوتكِ تكفيرُ ذنوبي
وثقي أن وراء الغَيْبِ علاّم الغُيوبِ
وأيضًا من إبداعاته ما قاله في رثاء( زوجته)
هي في أكفانها نائمة
وأنا الساهر وحدي للأنين
لو تقاسمنا الردى من يومها
كنتُ في قبريّ بين النائمين
ومن روائع أشعاره الخالدة ماهتف بها للوطن ففاضت حنينًا وحبًا له كقصيدته الشهيرة إلى “المروتين”
أهيم وفي خاطري التائه
رؤى بلد مشرق الجانبين
يطوف خيالي بأنحائه
ليقطع فيه ولو خطوتين
أمرغُ خدي ببطحائه
وألمس منه الثرى باليدين
رحم الله أديبنا طاهر زمخشري شاعرنا، وكاتبنا المبدع الذي أثرى مكتبتنا الشعرية، و أكرمنا بإرثه الأدبي العظيم.

كاتبة رأي

 

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى