نحن والغربيون، تجمعنا العنصرية

محمد الفريدي
نحن والغربيون، تجمعنا العنصرية
العنصرية والتمييز العرقي كانا دائما جزءا من تاريخ المجتمعات، سواء الغربية منها أو العربية، ولم يسلم منهما حتى مجتمعنا السعودي، الذي يظنه العالم من حولنا مجتمعا مثاليا.
فقد اعتمدت الدول الاستعمارية، التي استعمرت بعض دول الجوار في فترات مختلفة، على الفصل العرقي من خلال تصنيف البشر وفقا لأعراقهم وألوانهم للسيطرة عليهم.
وانتقل هذا النهج إلى مجتمعات أخرى، بما في ذلك مجتمعنا السعودي الذي تأثر به، ولا تزال بعض مظاهر هذا التمييز قائمة فيه منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا.
وقد تناولت بعض الأعمال الأدبية في المملكة قضية العنصرية، ومن ذلك رواية (سوادي جمال) للكاتبة الروائية فاطمة آل عمرو، التي أدانت التمييز العرقي في مجتمعنا السعودي، وسلطت الضوء على كفاح بطلتها ضد التنمر والعنصرية. وأظهرت الرواية، بأسلوب جريء، كيف تمكنت البطلة من تحطيم الحواجز الاجتماعية بجدارتها وطموحها، وكشفت عن نماذج سلبية تمارس التمييز والعنصرية في مجتمعنا – للأسف الشديد – تحت ذرائع وحجج مختلفة.
ولم يقتصر تناول هذا الموضوع على الأدب، بل شملت الدراسات الفكرية والدينية، كما في كتاب الإسلام والعنصرية لعبد العزيز عبد الرحمن قارة، الذي أوضح كيف أن تعاليم الإسلام تحارب التمييز بكل أشكاله.
وناقش تفاضل الأعراق وتبريرات مجتمعنا لها، وأكد أن الإسلام يقوم على العدل والمساواة، ويدعو إلى التعايش والتفاهم بين كل الفئات دون تمييز عرقي أو قبلي.
ويبقى التحدي الأكبر، كما يقول الكاتب، في مكافحتها من خلال التوعية والتعليم والإعلام، وتعزيز قيم المساواة والعدالة في المجتمع.
ويرى الفيلسوف الكاميروني أشيل مبيمبي أن التمييز العرقي لم يكن مجرد أداة من أدوات الاستعمار، بل شكّل أساسا قامت عليه الحضارة الغربية بأكملها، والبنية التي تأسست عليها هياكلها السياسية والاجتماعية.
فهو ينطلق من نقد جذري للحداثة الغربية، التي رفعت شعارات العقل والحرية والإنسانية، ولكنها في الواقع تمارس عنفا بنيويا مؤسسا على استبعاد الآخر غير الأوروبي وتجريده من إنسانيته.
ويؤكد مبيمبي أن هذا التمييز لم يكن حالة استثنائية أو انحرافا عن القيم الغربية، بل كان جزءا أصيلا من مشروعها الحضاري، حيث ترافقت مفاهيم التقدم والعقل مع سياسات الإقصاء والقمع والسيطرة، مما يجعل من نقد الحداثة الغربية ضرورة لفهم جذور العنصرية المعاصرة وآثارها الممتدة.
فمنذ القرن الخامس عشر، اعتمد الاستعمار الأوروبي على التمييز العرقي، وصنف البشر وفقا لهيمنة الرجل الأبيض، بينما اعتُبر الآخرون أدوات لخدمته أو عقبات يجب إزالتها.
وفي أمريكا، استمر نظام العبودية لقرون، واستُغل ملايين الأفارقة كقوة عاملة مسلوبة الحقوق والإرادة.
وبرغم إلغاء العبودية، إلا أن أنظمة الفصل العنصري استمرت قائمة، كقوانين (جيم كرو)، التي رسخت العزلة والتمييز، ولا تزال آثارها تؤثر على فرص العمل والتعليم والسكن والزواج والعدالة في أمريكا إلى اليوم.
ولم يقتصر التمييز العرقي على أمريكا، بل امتد إلى المستعمرات الأوروبية، حيث يتمتع المستعمِرون بالامتيازات، بينما يعاني المستعمَرون من التمييز.
وتحوّل التقسيم العرقي بعد ذلك إلى بنية اجتماعية وثقافية استمرت بعد زوال الاستعمار، وظل التأثير الطبقي والعرقي قائما في المجتمعات المستقلة، ثم انتشر بعد ذلك في دول الجوار التي لم يدخلها الاستعمار.
ومع أن المجتمعات العربية والإسلامية لم تشهد نفس أشكال العبودية المنظمة التي كانت تحدث في الغرب، إلا أن بعض الأفكار المرتبطة بالتقسيم العرقي والقبلي لا تزال قائمة إلى اليوم.
ففي المملكة، مثلا، كما في العديد من الدول العربية الأخرى، ظل التمييز الاجتماعي قائما بين فئات المجتمع بناء على الانتماء القبلي، والأصل الجغرافي، وحتى لون البشرة.
فعلى مدى قرون مضت، كانت هناك تصنيفات غير رسمية داخل المجتمع السعودي تحدد مكانة الأفراد بناء على أصولهم.
فبعض العائلات أو القبائل حظيت بمكانة أعلى من غيرها، وتم التعامل مع بعض الفئات بوصفها أقل شأنا اجتماعيا، حتى وإن كانوا يحملون نفس الجنسية ويتحدثون نفس اللغة ويدينون بنفس الدين.
ثم إن هناك تفاوتا ملحوظا بين أهالي المدن والقرى، وبين أبناء القبائل والعائلات غير القبلية، وبين من يُوصفون بـ”الأصلاء” ومن يُنظر إليهم كمجرد وافدين أو من ذوي الأصول المختلفة.
هذا التمييز العرقي لم يكن يقتصر على النظرة الاجتماعية فحسب، بل كان يمتد إلى مجالات مثل الزواج، والتوظيف، والتعليم.
فلا يزال هناك من يرفض تزويج بناته لشخص من خارج قبيلته، حتى وإن كان ذا خُلق ودين وعلم وأدب.
ولا يزال بعض أبناء العائلات العريقة يرون أنهم أكثر استحقاقا للفرص الوظيفية من غيرهم، بغض النظر عن كفاءتهم الفعلية.
إن ما نراه في مجتمعنا من تقسيمات عرقية واجتماعية يشبه إلى حد كبير النظام الذي أنشأه الغرب منذ قرون.
ففي الغرب، قسَّم الاستعمار الناس إلى سادة وعبيد، وفي مجتمعنا لا يزال هناك من ينظر إلى الآخرين على أنهم أقل شأنا لمجرد أنهم ليسوا من نفس القبيلة، أو من نفس الخلفية الاجتماعية، أو من عرقيات مختلفة.
كما إن التقدم، الذي طالما قُدِّم على أنه مشروع غربي متفوق، هو في الحقيقة امتداد لنفس الفكرة التي قسّمت العالم إلى مراكز وأطراف، إلى عالم أول راقٍ وعالم ثالث متخلف.
وفي كثير من الأحيان، يتم تصوير بعض المجتمعات على أنها أكثر “أصالة” أو “نقاء”، فيما يتم تهميش المجموعات الأخرى التي يُنظر إليها على أنها “أقل نقاء وأصالة” أو توصم بـ”الحديثة عهد بالتطور”.
وهذا يعني أن التحديات التي نواجهها اليوم ليست مجرد مشاكل داخلية، بل هي جزء من منظومة فكرية عالمية تقوم على التمييز بين البشر، وهي ذاتها التي استخدمتها أوروبا وأمريكا في فرض سيطرتها على الشعوب الأخرى.
والتخلص من إرث التمييز العرقي والاجتماعي في مجتمعنا ليس بالأمر الهين، ولا السهل، لأنه متجذر في بيئتنا الثقافية والاجتماعية، ومع ذلك، فإن التغيير يبدأ من الوعي بهذه المشكلة والاعتراف بوجودها أولا، ثم العمل على تفكيكها من خلال التعليم، والتشريعات، والإعلام.
ثم نبدأ من مدارسنا بتقديم مناهج تعليمية تُكرّس مبدأ المساواة بين جميع المواطنين، مع تسليط الضوء على قيمة الكفاءات والعمل الجاد، بدلا من التركيز على الخلفية القبلية أو العرقية.
وكذلك الإعلام أيضا له دور كبير ومهم في تغيير الصورة النمطية عن بعض الفئات، حيث يمكن أن يسهم في إبراز النماذج الناجحة من مختلف شرائح المجتمع، بدلا من تعزيز الصور النمطية التي تكرّس الفوارق والطبقية.
كما أن تشريعاتنا يجب أن تكون صارمة في منع أي شكل من أشكال التمييز العرقي أو الاجتماعي، سواء في التوظيف أو الزواج أو أي مجال آخر.
ومن المهم أن تكون هناك قوانين واضحة تحظر أي نوع من أنواع التفرقة على أساس الأصل، وأن تكون هناك إجراءات قانونية لحماية حقوق الأفراد المتضررين.
والأهم من ذلك كله، أن يكون هناك وعي في مجتمعنا بأهمية تجاوز هذه العقليات القديمة.
فكما تخلّصت أمريكا من قوانين الفصل العنصري رسميا، علينا نحن أيضا أن نعمل على تفكيك التمييز الاجتماعي من داخل ثقافتنا نفسها.
فلا يمكن أن نتحدث عن التقدم والتطور ورؤية 2030، ونحن لا نزال نحكم على الناس بناء على أصولهم وأعراقهم، بدلا من تقييمهم على أساس كفاءتهم وأخلاقهم.
فالتقدم الحقيقي لا يتحقق إلا عندما نتجاوز التمييز العرقي ونحتكم إلى معايير إنسانية وموضوعية، ترتكز على القدرات الفردية والإسهامات الفعّالة في المجتمع.
إن المشكلة العرقية والاجتماعية ليست مجرد قضية غربية أو عربية أو سعودية، بل هي ظاهرة عالمية تتخذ أشكالا مختلفة في كل مجتمع.
ففي الغرب، كانت هذه المشكلة ظاهرة في العبودية والاستعمار، وفي مجتمعاتنا، تتجلى في الفوارق الاجتماعية والقبلية.
والحل لا يكمن فقط في الاعتراف بالمشكلة، بل في اتخاذ خطوات عملية للقضاء عليها.
ويبدأ ذلك من التعليم الذي يعزز قيم المساواة والتسامح، وتطبيق القوانين التي تحارب التمييز على جميع الأصعدة، فضلا عن تغيير مفاهيمنا الثقافية التي قد تكون أسهمت في تكريس مثل هذه الأفكار.
لم يكن نهج الغرب في التمييز العرقي أداة سيطرة فحسب، بل شكّل نموذجا فكريا متخلفا تسلل إلى مختلف المجتمعات، بما في ذلك مجتمعاتنا العربية التي تشربت هذه الأفكار مع مرور الوقت.
ولا يزال من الصعب التخلص منها إلا بتجاوز هذا الإرث العقيم، وإعادة بناء مجتمعات عربية جديدة تقوم على أسس العدالة والمساواة، لا على تصنيفات قديمة تجاوزها الزمن، وأصبحت من مخلفات الماضي التي أكل عليها الدهر وشرب.
دائما ا. محمد تتحدث عن امور واقعية نعيشها نحن او يعيشها اخرون ..
بمعنى انها من الواقع وليس من الخيال فمجتمعاتنا العربية اصبحت قرببة من الغرب والعنصرية اصبحت سائدة في كل مكان حتى في الوظائف والترقيات .. وليس هذا فحسب بل اصبحت حتى في مقاعد الانتظار الخاصة بالمستوصفات الحكومية تجد شخص يدخل من غير رقم وصالة الانتظار مليئة بارقام الانتظار .. احسنت فابدعت ..
يحمل المقال جرأة وعمقًا يكشفان حقيقة غالبًا ما نتجاهلها.
فالعنصرية الفاسدة تسللت إلى مجتمعاتنا وتركت بصماتها في أدق تفاصيلها.
والرسالة الجوهرية تنادي بأن قيمة الإنسان تُقاس بإنسانيته، لا بأصله، ولا بلونه، ولا بانتمائه القبلي.
مقال جميل وجرئ يطرح الموضوع بقوة
فقد بنيت العنصرية بسبب تسييد الرأي الأوحد فمن لايشبهنا ليس مثلنا لأهداف اقتصادية للأسف ولغلبة الكثرة على القلة وزغم أن الجنس الأزرق كما يسمونه متنحيا وليس سائدا كما في علم الأحياء وهو أقرب للطفرات المرضية أمابقية الشعوب ومنها العربية فهي ملونة وبدرجات ولأسباب جغرافية والعنصرية الغربية تحكمها الأنانية والمادية متجاوزين المنطق والعلم
مجتمعنا الاسلامي أكثر تطورا ورقيا تمشيا مع تغاليم الاسلامي عدا من له أهداف أخرى يدركها ذوو بصيرة والله أعلم .
مقال جميل وجرئ يطرح الموضوع بقوة
فقد بنيت العنصرية بسبب تسييد الرأي الأوحد فمن لايشبهنا ليس مثلنا لأهداف اقتصادية للأسف ولغلبة الكثرة على القلة وزغم أن الجنس الأزرق كما يسمونه متنحيا وليس سائدا كما في علم الأحياء وهو أقرب للطفرات المرضية أمابقية الشعوب ومنها العربية فهي ملونة وبدرجات ولأسباب جغرافية والعنصرية الغربية تحكمها الأنانية والمادية متجاوزين المنطق والعلم
مجتمعنا الاسلامي أكثر تطورا ورقيا تمشيا مع تغاليم الاسلامي عدا من له أهداف أخرى يدركها ذوو بصيرة والله أعلم .
العنصرية النتنه والتمييز العرقي الحقير نهجٌ شيطاني اصيل إبتدعه إبليس في بادء الأمر حين رفض السجود لأدم عليه السلام ثم حورته وطورته المجتمعات البشرية المتشيطنه حتى جعلت منه منهجاً وأسلوب حياة للأسف ، شكراً لكم أ- محمد على هذا المقال الرائع الذي هوا فعلاً يلامس اكبر واهم مُعوقات التطور والتقدم في المجتمعات على جيمع الأصعده سواءً العملية منها او الفكرية او حتى الحياتيه الدنيوية البسيطه.
مقال مهم ويناقش قضية ثقافية واجتماعية هي بالفعل أحد أهم معوقات التنمية والتطوير لأي بلد، ألا وهي العنصرية بجميع أشكالها (التعصب والتحزب والمحسوبية على أساس عرقي أو قبلي أو عائلي). ومهمة المفكر والمثقف هي إبراز مثل هذه القضايا ومناقشتها بشكل هادف وبناء، وهذا ما قدمته لنا في مقالك الرائع أستاذنا الكريم محمد الفريدي. تقبل خالص شكري وتقديري.
موضوع مهم جدا 👍 ومحتوى باذخ في الجمال ، لافض فوك أستاذ محمد الفريدي 👍
👏👏👏👏