معذرةٌ، أمٌ إلى الله

رحمه حمد
معذرةٌ، أمٌ إلى الله
صاح في وجهها غاضبًا، وخطف كوب القهوة من يدها، ورماه بقسوة على الأرض، وأدار لها ظهره ومشى. كتمت بكاءها في صدرها بصعوبة، وكأنها تخشى أن تنفضح أمام الله والملائكة، أن تنساب دمعة واحدة على خدّها فتشي بحقيقتها. كانت الصدمة أقوى من صوتها، والخذلان أعمق من دموعها. همست لنفسها باضطراب: “الأمر عادي… لحظة غضب… هو لا يقصد…” تبدو كأنها تخاطب الله: “يا رب، لا تغضب عليه، أنا أتقبّله… أرجوك، سامحه.”
لكنها كانت تعلم أنها تكذب. كانت تتمنى أن تصرخ، أن تبكي، أن تعترف أنها موجوعة، ولكنها أصرّت على إقناع نفسها بالعكس. كل هذا فقط… لأنها أم، ولأن قلبها لا يقدر على كراهية ولدها، مهما جفاها. أرادت أن تبرر لله ما لا يُبرَّر، أن تخلق له عذرًا في السماء، كما فعلت دومًا في الأرض. قلت لها: “أليس الله مطّلعًا على ما تُخفين؟” فقالت: “لهذا أحاول أن أملأ صدري بعذرٍ له، لعلّه يُرحمه.” فقلت: “ويغيب عنكِ أن الله يعلم ما في صدر ابنك من كِبر، وعنجهية، وغرور؟” قالت لي، وعيناها تلمعان بشيء من الرجاء: “لكني إن رأني الله أسامحه، وأخشى عليه منه، فإنه ربما يرحمه بي، حبًا لي، إكرامًا لحبي له… هو يعرف أني أحاول أن أخفي ألمي، لكنه يقدّر الحب، لأنه مصدره.”
هي الأم… ومن مثل الأم؟ وحدها من تجرؤ أن تتوسل بالكذب، لا طمعًا في دنيا، بل رحمةً على ولدها، من عدلٍ لا يُخطئ.
بارك الله قلمك الصادق أستاذة رحمة .
ومن كمثل الأم رحم الله أمهاتنا و أباءنا أمواتا و أحياء .
اللهم امين
شكرا لك استاذة شقراء