الثقافة الغذائية والصحية

اللقاحات الطبية تنقذ الأرواح، حقيقة أم خيال؟

🖋️ د. عبدالعزيز رداد الحارثي

 

اللقاحات الطبية تنقذ الأرواح، حقيقة أم خيال؟

في الماضي، وقبل توفر مياه الشرب النظيفة واكتشاف اللقاحات الطبية والمضادات الحيوية، كانت الأوبئة سبباً في وفاة الملايين من البشر كل عام حول العالم.

ويقدر بأن وباء الجدري وحده تسبب في وفاة حوالي خمسمائة مليون إنسان خلال قرن واحد، وذلك قبل اكتشاف لقاح الجدري في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي واستخدامه بشكل واسع في أربعينات وخمسينات القرن التاسع عشر الميلادي وإعلان منظمة الصحة العالمية القضاء على الوباء في عام 1980.

كما تسبب وباء الطاعون في القرن الرابع عشر الميلادي فقط في القضاء على حوالي 50% من سكان أوربا في ذلك العصر (بين 75 و 200مليون إنسان). وبفضل توفر وسائل مكافحة انتشار القوارض الناقلة للبراغيث التي تحمل بكتيريا الطاعون وتوفر المضادات الحيوية الفعالة واللقاح، يتم الإبلاغ عن ما معدله سبع حالات إصابة بالطاعون كل عام خلال العقود الماضية.

وفي عام 1918، تسببت جائحة الإنفلونزا الإسبانية في إصابة حوالي 500 مليون ووفاة 20 إلى 50 مليون إنسان. وتتوفر لقاحات الإنفلونزا الموسمية منذ عام 1945، وهي تقلل من خطر دخول المستشفى بسبب الإصابة بنسبة 41% لدى الأطفال ونسبة 82% لدى البالغين. كما أن الأفراد الذين تلقوا اللقاح وما زالوا يعانون من أعراض الإنفلونزا أقل عرضة للدخول إلى وحدة العناية المركزة. ويقلل اللقاح نسبة الوفيات المرتبطة بالعدوى إلى النصف تقريباً.

ومن الأوبئة المعاصرة، تسبب انتشار فيروس متلازمة نقص المناعة البشرية المكتسبة، الإيدز، في وفاة حوالي 35 مليون إنسان إلى الآن. وبالرغم من توفر الأدوية القادرة على السيطرة على الفيروس ومنع انتقاله عن طريق الاتصال الجنسي، فلا يتوفر ضده أي لقاح في الوقت الراهن.

وتسببت جائحة فيروس كورونا المستجد، التي بدأت في شهر ديسمبر من عام 2019، في وفاة حوالي 7 ملايين إنسان. ويتوفر لفيروس كورونا عدد من اللقاحات والتي يقدر أنها منعت حوالي 20 مليون وفاة خلال السنة الأولى من الجائحة.

وأظهرت دراسة نشرتها مجلة ذا لانست  الطبيةفي 25 مايو  من عام 2024، أن جهود التحصين العالمية أنقذت ما يقدر بـ 154 مليون حياة، أي ما يعادل 6 أرواح كل دقيقة من كل عام، على مدار الخمسين عاماً الماضية. وكانت الغالبية العظمى من الأرواح التي أُنقذت (حوالي 101 مليون) من الرضع. ومن بين اللقاحات المشمولة في الدراسة، كان لقاح الحصبة هو الأكثر تأثيراً في الحد من وفيات الرضع.

ويمنع اللقاح ضد فيروس الورم الحليمي البشري الإصابة بسرطان الفرج والمهبل وعنق الرحم و سرطان القضيب والرأس والرقبة. كما يمنع اللقاح ضد فيروس التهاب الكبد الوبائي نوع ب الإصابة بسرطان الكبد.

وأظهرت دراسة حديثة أجرتها كلية ستانفورد للطب، ونشرتها مجلة نيتشر في الثاني من أبريل الجاري لعام 2025، أن كبار السن الذين تلقوا لقاح القوباء المنطقية (الحزام الناري) كانوا أقل عرضة للإصابة بالخرف بنسبة 20% على مدى السنوات السبع التالية من أولئك الذين لم يتلقوا اللقاح. وتدعم هذه النتائج نظرية أن الفيروسات التي تصيب الجهاز العصبي قد تزيد من خطر الإصابة بالخرف.

وعلى الرغم من كل تلك الأرقام والحقائق التي تؤكد فعالية اللقاحات في الوقاية من الإصابة بتلك الأمراض المعدية، ومنع حدوث الوفاة أو المضاعفات الخطيرة بسببها، تنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من المعلومات الخاطئة والمضللة عن اللقاحات وأضرارها على الصحة وتجد للأسف من يصدقها من الناس.

والحقيقة الواضحة وضوح الشمس هي أن فوائد استخدام اللقاحات في الإنسان أعظم بكثير من أضرارها الجانبية التي نادراً ما تشكل خطورة على صحته وحياته.

وكما أن للأطفال لقاحات خاصة بهم، فإن للبالغين والمسنين كذلك لقاحات خاصة بهم توفرها المراكز الصحية التابعة لوزارة الصحة وينصح بشدة استخدامها.

وكأي علاج آخر، فإن لأي لقاح موانع استخدام وأعراض جانبية بسيطة في أغلبها يقوم مقدم الرعاية الصحية بشرحها قبل إعطاء اللقاح.

كاتب رأي واستشاري باطنية 

      ١٣ شوال ١٤٤٦

د . عبدالعزيز بن رداد الحارثي

كاتب رأي واستشاري أمراض باطنية وطب المسنين ومشرف الثقافة الغذائية والصحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى