كُتاب الرأي

حين تفقد الأشياء بريقها

بهجه احمد

 

حين تفقد الأشياء بريقها

أن أكتب يعني أن أتنفس الحروف وأتذوق مذاق الكلمات،أن أتنهد تحت ظل فاصلة و أبكي على حافة نقطة، لكن ماذا لو فقدت شغفي بالكتابة؟ كيف يمكن للقلم أن يعود ليكتب؟ هناك لحظات يشعر فيها الكاتب أن الكلمات لم تعد تنبع كما كانت، أن الحروف باتت جامدة، والصفحة البيضاء لم تعد دعوة للإبداع بل تحديًا مرهقًا. هل هو مجرد كسل؟ إرهاق؟ أم أن الشغف نفسه قد خفت بريقه؟

مر العديد من الكُتاب والفنانين بفترات جفاف إبداعي جعلتهم يتساءلون عما إذا كانوا قد فقدوا موهبتهم إلى الأبد. فرجينيا وولف، على سبيل المثال، كانت تمر بنوبات من الشك والركود جعلتها تترك الكتابة لفترات طويلة، لكنها عادت دائمًا بقوة أكبر. هاروكي موراكامي الروائي الياباني الشهير، توقف عن الكتابة لمدة عام تقريبًا، ثم قرر أن يغير نمط حياته بالكامل فبدأ بالجري لمسافات طويلة، ووجد في الرياضة نوعًا من التأمل الذي أعاده إلى الكتابة بإيقاع جديد. حتى إرنست همنغواي، الذي يبدو أن كلماته تنساب بسلاسة على الورق، كان يواجه أيامًا لا يستطيع فيها كتابة جملة واحدة، لكنه كان يقول: “كل ما عليك فعله هو كتابة جملة صادقة واحدة، ثم ستجد أن البقية ستتبعها”.

الركود ليس النهاية، بل ربما يكون مرحلة ضرورية لشحذ الشغف واستعادته.أن تمر بفترة جمود لا يعني أنك فقدت موهبتك أو شغفك إلى الأبد، بل ربما يشبه الأمر دورة طبيعية، تمامًا كما تمر اليرقة بمرحلة السكون داخل شرنقتها قبل أن تتحول إلى فراشة. يحتاج الإبداع أحيانًا إلى لحظات من الهدوء والتوقف قبل أن ينبثق من جديد، أقوى وأكثر نضجًا. ولعل المشكلة الحقيقية ليست في الركود نفسه، بل في نظرتنا إليه. البعض يراه فشلًا أو نهاية، بينما هو في الحقيقة مجرد استراحة يستجمع فيها العقل قواه قبل أن ينطلق من جديد.

لكن البقاء في هذه الحالة لفترة طويلة قد يجعل الشرنقة تتحول إلى قيد. وهنا يأتي دور الحركة ، كسر الروتين، تجربة أشياء جديدة، قراءة مجالات غير مألوفة، تأمل تفاصيل الحياة اليومية. الكاتب البرتغالي جوزيه ساراماغو، مثلًالم ينشر أول رواية ناجحة له إلا بعد أن تخطى الخمسين، لكنه لم يكن متوقفًا عن الكتابة تمامًا، بل كان يراقب، يقرأ، ويستعد للعودة. ستيفن كينغ، عندما تعرض لحادث سير شديد كاد أن يودي بحياته، وجد نفسه عاجزًا عن الكتابة لفترة، لكنه بدأ تدريجيًا بكتابة بضع جمل يوميًا، حتى استعاد إيقاعه بالكامل.

في الأدب العربي، أيضًا نجد أمثلة لكتّاب مروا بفترات من الركود الإبداعي قبل أن يعودوا بإنتاج قوي. نجيب محفوظ، صاحب نوبل في الأدب، عانى فترة من الركود الإبداعي بعد حرب 1967. ورغم أنه كان يكتب، إلا أنه توقف لفترة عن نشر أعمال جديدة. بعدها عاد ليكتب روايته الشهيرة “أولاد حارتنا” التي أثارت الكثير من الجدل وحققت نجاحًا كبيرًا. أيضًا، غادة السمان الكاتبة السورية الشهيرة، كانت تمر بفترات من التوقف عن الكتابة بعد الضغوط النفسية والتغيرات الحياتية الكبيرة. بعد هذه الفترات، كانت تعود لتكتب أعمالًا جديدة تتميز بالعمق والصدق العاطفي مثل “كتاب حب”.

التأمل يفتح آفاقًا خفية، والمجتمع مليء بتجارب وقصص قادرة على إعادة إشعال الحماس. وإن لم تنجح الطرق التقليدية؟ ربما حان الوقت لمغامرة مجنونة، فكرة غير مألوفة، أو تجربة تخرجك من دائرتك المعتادة. لأن الشغفمثل النار، يحتاج أحيانًا إلى شرارة جديدة ليشتعل من جديد.

كاتبة رأي وشاعرة 

 

 

بهجه أحمد

كاتبة رأي وشاعرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
الذهاب إلى الواتساب
1
م حبا أنا سكرتير رئيس التحرير
مرحبًا أنا سكرتير رئيس التحرير وأنا هنا لمساعدتك.