“الله يستر!”

رحمة حمد
“الله يستر!”
كنا مجتمعين في إحدى المناسبات مع بعض الصديقات، وعند طرح موضوع يمس بعض الأمور المهمة، قالت إحدى النساء الكبيرات في السن: “الله يستر.”
وفجأة، ارتبكت ابنتها، وانقبض وجهها، وتجمدت ملامحها، وبلعت ريقها بصعوبة بالغة، محدقة بعينيها في أمها. وبلا سبب وجيه، صرخت قائلة: “لا تقولي ذلك يا أمي! الأمور بسيطة، وسيكون كل شيء على ما يرام.”
ظلّت الابنة صامتة لبعض الوقت، وقد ارتسم التجهم على وجهها. نظرتُ إليها وقلت لها:
“ما بكِ؟ لماذا أثارتكِ كلمات أمكِ بهذا الشكل؟ لقد قالت كلمة عادية نقولها جميعًا، ولا أرى فيها ما يجعلكِ تنقبضين هكذا!”
فتنهدت بعمق وقالت، وهي تنظر بعيدًا وكأنها تتذكر شيئًا ما:
“أعلم أنني ربما بالغت في ردّة فعلي، وأعلم أنها كلمات عادية، بل إنها كلمات تحمل الثقة بالله، لكن كيف لي أن أتخلص من هذا الخوف؟”
وضعت يدها على رأسها، وأغمضت عينيها، وتنهدت مرة أخرى، وقالت بصوت خافت فيه شيء من الرعشة:
“إنني لا إراديًا، عندما أسمع أمي – دونًا عن سائر الناس – تقول (الله يستر)، ينتابني خوف شديد، لدرجة أني أشعر بانقباض في صدري وألم شديد في بطني من شدة الخوف والتوتر الذي يغمرني. ورغم أنني أرد عليها في كل مرة بأن كل شيء سيكون على ما يرام، إلا أن ذلك لا يبدد الخوف الذي بداخلي.”
تنفست بعمق، واستوت في جلستها، ورفعت كتفيها ووجهها لتنظر إلى عيني مباشرة، ثم أكملت قائلة:
“عندما تأملت مشاعري التي تنتابني، أدركت أنني ما زلت أحمل مشاعر تلك الطفلة الصغيرة، التي ترى الأمان كله في أمها. كلماتها تلك كانت ترددها في كل موقف صعب وهي خائفة، فارتبطت هذه الكلمات بخوف أمي، الذي كان ينفي كل الأمان بداخلي، بل ينفي كل الأمان في العالم من حولي.”
“ولكنني الآن أفضل حالًا مما كنت عليه سابقًا، بعدما فهمت سبب ذلك الشعور الذي ينتابني، ولربما يأتي يوم تصبح كلمات أمي عادية كأي كلمات لشخص آخر.”
فأجبتها مبتسمة: “لم ولن تكون كلمات الأمهات كأي كلام آخر، فهي تنقش في القلوب رسوماً تبقى معنا مدى الحياة.”
أعجبني تأملها في ذاتها ومحاولتها فهم تلك المشاعر التي تعتريها، فتسبب لها التوتر والقلق عند سماع عبارة يُفترض أن تبعث الأمان والطمأنينة.
ومن الجيد أن نراقب أنفسنا وردود أفعالنا اللاواعية، ونسعى لفهم الأسباب الكامنة خلفها، لنتمكن من تحسين حياتنا للأفضل.
ولنستمد أماننا الأوثق بالله عزَّ وجلَّ، بعيدًا عن البشر المجبولين على الخوف، وذلك بأن نذكر الله دائمًا في السراء والضراء، لتطمئن قلوبنا، كما قال الله تعالى في محكم كتابه:
(ألا بذكر الله تطمئن القلوب).”
👍
👍👍👍👍