من سنة السبلة إلى اقتحام الحرم

محمد الفريدي
من سنة السبلة إلى اقتحام الحرم
مرت المملكة عبر تاريخها الحديث بأحداث جسام، حملت بعض سنواتها أسماء تعكس طبيعة ما جرى خلالها من أحداث، من أبرزها سنة السبلة (1347هـ / 1929م)، التي شهدت معركة السبلة بين الملك عبدالعزيز وجماعة الإخوان الذين تمردوا على سلطته بعد أن كانوا من أنصاره، وسنة الجوع (1327هـ / 1909م)، وسنة الظلمة (1334هـ / 1916م).
وغيرها من السنوات التي تعكس التحديات التي مرت بها المملكة قبل توحيدها واستقرارها.
غير أن سنة 1400هـ / 1979م كانت مختلفة تماما ، إذ لم يكن ما حدث فيها مجرد أزمة عابرة، بل كان منعطفا خطيرا حاسما في مواجهة الفكر المتطرف الضال الذي حاول اختطاف الدولة والدين والمجتمع وزعزعة استقرار المملكة.
ولهذا، أُطلقت على هذه السنة “سنة اجتثاث الفكر الضال”، إذ لم تكن الأشهر الأولى من هذا العام عادية، فقد كانت كل الأخبار المتداولة حينها تؤكد انطلاق حملة اعتقالات واسعة.
وكانت عناوين الصحف والمجلات تشير إلى أن كل من تورط مع جماعة جهيمان بات تحت دائرة الاتهام والملاحقة، باعتبارهم مسؤولين عن هذه الجريمة التي استهدفت أمن المصلين والمعتمرين والمسجد الحرام، فيما عُرفت بعد ذلك بحادثة الحرم.
حتى تأخر نزول المطر، وتراجع الاستثمار، وتدهور الريال، نسبناه آنذاك – من هول الصدمة – إلى تداعيات هذا الحدث الخطير، الذي لم نرَ أو نسمع بمثله من قبل.
في تلك الفترة، انتشرت الشائعات أيضا حول صحة الملك خالد، وبدأت التساؤلات تتردد في الشارع السعودي:
من الحاكم الفعلي للبلاد؟
وما مستقبل الأوضاع بعد هذا التحدي الصارخ لسلطة الدولة؟
وبعد سيطرة القوات الأمنية على الحرم في أواخر شهر محرم 1400هـ، وإعلان إنهاء الاعتصام والتمرد، بدأت الأجهزة الأمنية مرحلة جديدة من التحقيقات والملاحقات والاعتقالات، وكان الهدف منها القضاء على كل من له صلة مباشرة أو غير مباشرة بجماعة جهيمان، سواء بالمشاركة الفعلية في الاقتحام، أو بالدعم اللوجستي أو التنظير الفكري.
وامتدت حملة الاعتقالات إلى مختلف مناطق المملكة، حيث دققت الأجهزة الأمنية في أسماء من وردت أسماؤهم في التحقيقات أو أُثيرت حولهم شكوك بالارتباط بهذه الجماعة المنحرفة.
ونُفذت مداهمات مكثفة، وأُغلقت بعض الأحياء التي يُشتبه في احتضانها لمتعاطفين مع هذه الجماعة المتطرفة، وتم القبض عليهم، وفُرضت رقابة صارمة على المساجد والمكتبات والمراكز التي كانت تُستخدم لنشر هذا الفكر المتطرف.
ولم تقتصر الإجراءات على اعتقال منفذي الهجوم، بل شملت أيضا الأفراد الذين وفروا لهم الدعم الفكري أو التنظيمي، سواء من خلال الفتاوى أو الكتابات أو حتى بالصمت المتواطئ الذي سمح لهذا الفكر بالنمو في الظلام.
بعض المعتقلين كانوا شبابا انجذبوا إلى خطاب هذه الجماعة دون أن يكون لهم دور عملي في الاقتحام، لكن ذلك لم يعفهم من المساءلة، إذ تم التعامل معهم وفقًا لدرجة تورطهم.
كما شملت الحملة بعض رجال الدين الذين اتُّهموا بتوفير الغطاء الشرعي لهذه الجماعة والمساهمة في انتشارها، ولو بشكل غير مباشر.
ولم تكن الجامعات والمدارس والمراكز العلمية بمنأى عن هذه الإجراءات، حيث جرى التحقيق مع أساتذة وطلاب أظهروا ميولا وتعاطفا مع هذا الفكر المتطرف الضال المنحرف.
واعتمدت التحقيقات على شهادات المعتقلين لكشف شبكات الدعم والتمويل، وأدت إلى موجات متتابعة من الاعتقالات والمحاكمات، وأُفرج عن البعض بالكفالة بعد التحقيق، ونال آخرون أحكامًا تفاوتت بين السجن لمدد مختلفة والإعدام.
أما العناصر الرئيسية في الاقتحام، فقد صدرت بحقهم أحكام بالإعدام، بينما نُفذت عقوبات السجن والجلد والنفي على آخرين، ممن تم التغرير بهم، إضافة إلى غير السعوديين الذين تورطوا في دعم هذه الجماعة.
أحدثت حملة الاعتقالات صدمة واسعة في المجتمع السعودي آنذاك، وتنامت المخاوف من تداعيات الأزمة، لكن الدولة كانت حازمة في إنهاء أي نشاط فكري أو تنظيمي مشابه.
فقد ضبطت الخطاب الديني، ومنعت استخدام المساجد لغير ما خُصصت له، وشددت الرقابة على النشاطات الدعوية، وأكدت عدم السماح باستغلال الدين لتبرير الأفكار المتطرفة.
فلو نجح جهيمان في تغيير نظام الحكم في المملكة، لا قدر الله، لأدى ذلك إلى زعزعة استقرار البلاد وإحداث تغييرات جذرية في بنية المجتمع والدولة.
وكان هذا التغيير سيقود إلى نظام سياسي متطرف يعتمد على أفكار متشددة، مما يعرض أمننا ووحدتنا للخطر، ويفرق مجتمعنا بين مؤيد ومعارض، ويعزز الفوضى والصراع الداخلي.
ولكنا اليوم نعاني من تداعيات أمنية واجتماعية واقتصادية خطيرة، وتُستخدم مساجدنا ومؤسساتنا الدينية لترويج الأفكار المتطرفة.
لو نجح جهيمان في تغيير نظام الحكم في بلادنا، لكان من الممكن أن تتعرض هويتنا المعتدلة للخطر، ونتحول إلى نموذج يطبق تفسيرا ضيقا ومتطرفا للشريعة الإسلامية.
ولعُزلنا عن محيطنا الإقليمي والدولي، وتدهورت علاقاتنا مع القوى العالمية، مما كان سيعزز القلق حول استقرارنا وأمننا.
كما كنا سنشهد حملات قمعية ضد أي معارضة أو طوائف دينية أخرى، ما قد يفتح الباب أمام تدخلات خارجية في تقرير مصيرنا.
لذلك، لم تكن الإجراءات التي اتخذتها الدولة آنذاك مجرد رد فعل أمني فحسب، بل كانت جزءا من رؤية استراتيجية تهدف إلى منع تكرار مثل هذه الحوادث مستقبلا، وإعادة ترتيب الأولويات الوطنية لحماية المجتمع من أي تهديد قد يمس أمنه واستقراره.
ولهذا السبب، تولى الأمير نايف بن عبدالعزيز – رحمه الله – قيادة مواجهة الفكر الضال بنفسه، إدراكا منه أن أي تساهل مع هذا الفكر المتطرف في مهده قد يؤدي إلى عودته بقوة في المستقبل.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن تلك الحقبة شهدت نوعا من التساهل مع بعض الأصوات المتشددة التي استغلت الدين لمآرب سياسية، وساهمت – سواء بقصد أو بجهل – في منح هذه الجماعة مساحة للانتشار، سواء عبر منابر المساجد، أو عبر الخطب والدروس والزيارات والمنشورات، أو من خلال إهمال بعض المسؤولين لعملهم، أو حتى عبر صمت بعض العلماء الذين لم يتصدوا لهذه الأفكار المتطرفة في بداياتها.
فقد كان هناك من يبرر لجهيمان وجماعته، ويغض الطرف عن خطورة فكرهم التكفيري المتشدد، الذي استباح الدماء وكفّر الدولة والمجتمع والعسكر وكل أشكال النظام.
وهذا الصمت والتهاون هو ما جعل جماعة صغيرة تظن أنها قادرة على قلب نظام دولة بحجم المملكة، والاستيلاء على السلطة بالسلاح الخفيف والمنامات، وبمبايعة “المهدي المزعوم المنتظر”.
ما جرى بعد حادثة الحرم كان رسالة واضحة للجميع:
لا مجال للعبث بأمن بلادنا، ولا تساهل مع أي فكر متطرف منحرف.
والمملكة، التي قامت على التوحيد الصحيح، لن تسمح لأحد باختطاف الدين منها لتبرير الفوضى والتمرد.
وكان موقفها حاسما: لا مفاوضات، لا مهادنة، لا انتظار، ولا تساهل.
انتهى جهيمان ومن معه نهاية حتمية لكل من توهم أنه قادر على تحدي الدولة والمجتمع، ولم تشفع لهم شعاراتهم ولا تبريراتهم.
وما حدث في سنة السبلة وسنة اجتثاث الفكر الضال سيبقى درسا لكل من تسول له نفسه السير في طريق الضلال والتشدد:
الدولة أقوى منكم، والمجتمع يرفضكم، والتاريخ لا يرحم من يعبث بأمن الأوطان.
أحسنت …
وبيض الله وجهك
ونفع بما يسطره قلمك السيال، وكفيت ووفيت، أخي ابوسلطان
-إستعرضت أحداث غادرة بالوطن ،
وما آلت إليه نهاية أهل الغدر والخيانة..
أوردتها في سطور عن
مؤلفات ،
نفع الله بعلمك .
وزادك علماً وصحة في البدن
سعادة زميلي القدير
اخوكم /حزام ابن فاهده
سعادة اللواء حزام آل فاهده، حفظكم الله ورعاكم،
أشكركم جزيل الشكر على كلماتكم الطيبة التي أعتز بها، وشهادتكم وسام أفتخر به.
ما نكتبه هو جزء يسير مما يستحقه وطننا الغالي، ونسأل الله أن يحفظه من كيد الأعداء، وأن يديم عليه الأمن والاستقرار في ظل قيادته الحكيمة.
أسأل الله أن يبارك في علمكم وعملكم، وأن يمدكم بوافر الصحة والعافية، ودمت ذخرا لهذا الوطن العظيم. تحياتي وتقديري.
أخوكم أبو سلطان
قراءة تاريخيّة إيجابية استحضرت الحدث وشرحت معطياته وخلصت إلى نتائج واقعية ،،،،سلمت أفكارك
سعادة الدكتور يوسف حسن العارف، حفظكم الله ورعاكم
أشكر لكم هذا الإطراء الكريم، وشهادتكم وسام أعتز به.
حرصي كان على تقديم رؤية واضحة تستلهم العبر من التاريخ، وتسهم في قراءة الأحداث بموضوعية.
أسأل الله أن ينفعنا بما نكتب، وأن يبارك في علمكم وجهودكم.
وتقبل فائق تحياتي واحترامي.
أخوكم أبو سلطان
أستاذ محمد أحسنت التحليل والريط والاستنتاج
طرح واعٍ ومسؤولية تجاه الكلمة الواعية
الدين والوطن والقيادةثوابت راسخة قوية
حفظ الله ديننا ووطننا وقيادتنا
شكرا أستاذ محمد على هذا المقال الرصين الفاحص
الأستاذ علي بن يحيى البهكلي حفظه الله ورعاه
شكرا جزيلا سيدي على كلماتك الطيبة، ويسعدني أن التحليل والاستنتاج نال إعجابك، وأنا أؤمن بأهمية الكلمة الواعية والمسؤولة في تعزيز الثوابت التي تجمعنا جميعا، من دين ووطن وقيادة.
حفظ الله ديننا، وطننا، وقيادتنا، وأدام علينا نعمة الاستقرار والأمان.
شكرا مرة أخرى على دعمك المستمر.
أبو سلطان