كُتاب الرأي

أمهاتنا والمتطاولون على الوطن وولاة الأمر

في أزمنة قديمة مضت، كانت الأمومة تعتبر من أقدس الوظائف وأشرفها، خاصة في المجتمعات القروية والبدوية التي كانت تعاني من الفقر والجوع وانعدام الأمن.

الأمهات في تلك الأزمنة الغابرة، رغم افتقارهن للتعليم، كن يمتلكن حكمة عميقة، وبصيرة نافذة في تربية الأبناء، وكانت طريقتهن في التربية تعكس فهما عميقا لأهمية القيم الأساسية التي تحافظ على جعل نسيج المجتمع متماسكا وقويا.

تربية الأمهات قديما كانت تركز على تعليم الأبناء الاحترام لكبار السن ولولاة الأمر وتقديس تراب الوطن، كانت الأم تعلم ابنها أن ينظر إلى رأس السلطة بعين التقدير والاحترام، مؤمنة بأن الاستقرار والأمن الذي يوفره الحاكم القوي للمجتمع ضرورة لبقاء الوطن وازدهاره، فلهذا كن لا يرضين بأن يخدش أبناؤهن صورتهما أمامهن ولو على سبيل المزاح.

كانت عبارة الواحدة منهن إذا تلفظ بسوء أحد أبنائهن أو أحفادهن أمامهن على ولاة الأمر بـ ” قول الله يعزهم ولا يعز عليهم” لتذكيرهم بأهمية الدعاء لهم، وهي عبارة تعبر عن عمق رغبتهن في استمرارية الحكم والأمن.

هذه التربية لم تكن تقتصر فقط على الولاء السياسي للحاكم، بل كانت تشمل أيضا قيم مثل الكرم، الشجاعة، الصدق والأمانة، كانت الأمهات يعلمن أبناءهن أن يكونوا طيبين ومحترمين، ليس فقط مع الكبار وولاة الأمر، بل مع جميع أفراد المجتمع.

في ظل تلك الظروف المعيشية القاسية، كانت الأمهات يرين في غرس هذه القيم الطريقة الوحيدة لضمان مستقبل أفضل لأبنائهن، كانت هذه القيم بالنسبة لهن تمثل الأمل في الخروج من دائرة الفقر والمعاناة وانعدام الأمن، كانت تعكس إيمانا راسخا بأن الاحترام والأخلاق الحميدة هي الأساس الذي يمكن من خلاله بناء مجتمع مزدهر وآمن، وعلى هذه الأسس، نشأ جيل الطيبين، الجيل الذي تربى على يد أمهات غير متعلمات، واليوم يحترم القيم والأعراف التي تعتبر الركيزة الأساسية لتماسك أي مجتمع.

الأمهات، لم يكن مجرد مربيات فقط، بل كن معلمات حقيقيات لمفاهيم الوطنية والولاء والمحبة والوقوف مع الدولة ضد كل من يتطاول عليها ولو كان المتطاول واحدا من أبنائهن، مما أسهم في تشكيل شخصياتنا وجعلنا قادرون بعد ذلك على مواجهة تحديات الحياة وتوريث هذا الولاء من جيل آبائنا إلى جيلنا إلى الجيل الذي يليه.

كانت الأمهات يعلمن أن الوقت الذي يقضينه في تربية أبنائهن وتعليمهم هذه القيم ليس مجرد استثمار في مستقبلهم فحسب، بل هو استثمار في مستقبل الوطن بأكمله، وكل طفل تربى على هذه القيم كان ينمو ويصبح فردا مساهما في بناء وطنه ومجتمعه، وكانت الطاعة والاحترام ليست فقط للأجداد والآباء، بل كانت أيضا لولاة الأمر وللقوانين والأنظمة التي تحكم دولتنا في ذلك الوقت.

التربية في ظل الظروف الصعبة التي كانت سائدة قديما تتطلب من الأمهات قدرا كبيرا من الصبر والتضحية، فهن كن يعلمن أن كل يوم يمر هو فرصة لزرع بذرة خير في نفوس أبنائهن، ومع تقدم الأبناء في السن، كن ينظرن بفخر لثمرة التعاليم التي زرعنه في صورة سلوكيات تحمل طابع الاحترام والتقدير لولاة الأمر تمش أمامهن علي الأرض.

علاوة على ذلك، كان الأمهات يؤكدن على أهمية التعلم من التجارب والأخطاء، كن يعلمن أبناءهن أن الخطأ ليس عيبا إن تم تصحيحه والاستفادة منه، هذا المنهج التربوي لم يساعد فقط في بناء شخصيات متوازنة قادرة على التكيف مع التحديات، بل ساهم أيضا في ترسيخ مفهوم النقد البناء كأداة أساسية للتطور الشخصي والمجتمعي واستخدام الحجة والإقناع.

هكذا، من خلال الجمع بين الحكمة التقليدية والقيم الأخلاقية العالية، استطعت الأمهات قديما أن يربين جيلا يتسم بالطيبة والاحترام والقوة والصراحة، جيل قادر على تحمل المسؤولية تجاه نفسه ومجتمعه ووطنه، جيلا قويا متماسكا، متمسكا بالقيم والمبادئ التي يتناقلها الأبناء إلى اليوم جيلا بعد جيل.

في أي مجتمع، كن يلعبن الأمهات دورا حيويا في تربية الأجيال وينقلن القيم الاجتماعية والأخلاقية لأبنائهن، وهذه القيم كانت متوازنة وبناءة لضمان نمو الأطفال ليصبحوا أفرادا مسؤولين ومحترمين في المجتمع، ومع ذلك، لم تؤثر بعض الممارسات التربوية السلبية بشكل كبير على تطور الأطفال ونظرتهم للعالم من حولهم، بما في ذلك نظرتهم لولاة الأمر.

اليوم للأسف الشديد الأمهات إذا تطاول أحد أبنائهن علي ولاة الأمر يضحكن له ولا يعلمن أنهن بهذه السلوكيات يشكلن سلوكيات خاطئة لأبنائهن، ويظهرن عدم احترام ولي الأمر ويشجعن على تبني هذه السلوكيات، فيتعلم الأبناء بأن مثل هذه الأفعال مقبولة وطبيعية، مما يؤدي إلى تنشئة جيل يفتقر إلى احترام ولاة الأمر.

فالشعوب والمجتمعات التي تربت على عدم احترام ولاة الأمر تواجه صعوبات في الحفاظ على الأمن، وتطبيق الأنظمة، وعواقب هذا على الجميع وخيمة، ومن المهم أن يدركن الأمهات أهمية تعزيز قيم الاحترام والتقدير لولاة الأمر في مجتمعهن، وتعليم أبنائهن الفرق بين التعبير عن الرأي وبين التطاول على ولاة الأمر.

تعليم الأبناء وتربيتهم على احترام ولاة الأمر له تأثير عميق على نسيج الوطن ككل، وتسهم الأمهات بشكل مباشر في تشكيل السلوكيات التي يتخذها أبناءهن في الصغر تجاه دولتهم وقياداتهم إذا كبروا، ولهذا، يجب على الأمهات الحاليات أن يأخذن دورهن على محمل الجد في تربية أجيال قادرة على المساهمة في تطوير واستقرار وطنهن، ولا يضحكن لأبنائهن إذا تعلق الأمر بالوطن أو بولاة الأمر.

محمد الفريدي

محمد الفريدي

رئيس التحرير

تعليق واحد

  1. ماشاءالله ..
    مقال يترجم معنى الإنتماء ويدرك حقيقة الولاء لولاة الأمر في قالب أدبي ليس بالغريب على قلم كاتبه الأستاذ محمد الفريدي باختياره عُمق العبارة وجزالة المعنى فهكذا مقال ! يُعد محاضرة بعنوان” الإعلام الأمني ومكانة ولاة الأمر”.
    لا فُض فوك أبا سلطان .
    ولعلي اختصر تعليقي:
    ففي هذه السطور تجد مايبحث عنه القاريء بمفيد الكلام في الوقت التي توارت فيه الكثير من كتاب أعمدة الصحافة عن مواقعهم لزيادة سرعة رتم وديناميكية الحياة وعزوف البعض من أصحاب الأقلام النزيهة والمخلصة عن استمرارية الكتابة حيث ازدحمت الصحف بالكثير من كُتَّاب الغفلة فأصبحت الصحف تفرد لهم المساحات الكبيرة لبعض المقالات المحسوبة والتي يتم اختيارها وفق معايير خاصة دون النظر لشخصية الكاتب وخلفيته الأدبية ومكانته في المجتمع وهذا يقودنا لما يسمى بمشروع وطني تحت مسمى: “ميثاق الإعلام ودور الكُتَّاب في المحافظة على القيم الأخلاقية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى