كُتاب الرأي
صناعة الوعي الرشيد

د. سالم بن رزيق بن عوض
صناعة الوعي الرشيد
إن الناظر الحصيف اللبيب إلى رحلة الإنسان الجميلة والصاخبة في محيط الحياة الهادرة والصاخبة كذلك ، وهذا الكون الكبير الواسع الذي يشق طريقه في ملكوتات الله تعالى عز وجل ، وهو من الله تعالى وإلى الله تعالى يحق له في أحيان كثيرة التفكر والتدبر والوقوف وإعادة النظر وإعادة التفكير العميق في كل تفاصيل حياته ونفسه وروحه وذاته ووقته وما حوله من التحديات والصعوبات والعقبات ، وكذلك الفرص الإيجابية والتفاؤلية التي تصنع منها إنساناً واعياً رشيداً !.
المراحل والمحطات التي يمر بها الإنسان حقيقة هي التي تصنع فيه كل شيء ؛ من الصناعة الطبيعية الجسمية إلى الفكرية العقلية إلى النفسية والمزاجية إلى الخلقية الدينية وتصنع التجارب والخبرات ، والمواقف المختلفة والمتباينة، وقد تجعل منه إنساناً بأمة ! في فكره وعلمه وعمله وصناعته ومعارفه ومهاراته وإبداعاته وإنجازاته!
يشاهد الجميع كثيراً من النجباء المبدعين المميزين في كل مجالات الحياة المختلفة ، وفي كل التخصصات والاتجاهات ، ففي عوالم الإنسان ، وفي عوالم الجمادات ، وفي عوالم النباتات والحيوانات ، وفي عوالم النجوم والفلك ، وفي عوالم التقنية الحديثة والمتطورة ، وفي الاقتصاد والإدارة .
ويعد الوعي والفهم والإدراك هو المخرجات والنتائج الطبيعة للمدخلات النوعية المتقنة وكذلك العمليات الواضحة المتقنة والتي تتوافق مع جودة المدخلات ، وطموح النتائج والمخرجات والإنجازات مميزة ؛ لكل من تلك المراحل والمحطات مقوماتها وجودتها ومعاييرها ومؤشراتها التي تشير إليها !
فحقيقة الوعي السليم والنفيس هو حقيقة العقل السليم وهو حالة يصلها العقل والقلب بعد عدة مراحل ومحطات يمر بها من المعلومات والمعارف والمهارات والقيم والأخلاق الرفيعة العالية والتجارب والخبرات والتي تقود إلى الجودة في حياة الإنسان وفي محيطه وعوالم دنياه !
عندما يردد الناس المقولة الشهيرة ( العقل السليم في الجسم السليم ) ؛ فإنها تحمل جانباً من الصدق والحقيقة ، فالعقول السليمة في تصوراتها وأفهامها وإدراكها للأحداث والوقائع الحياتية تكون في الأجسام التي يغلب عليها السلامة والصحة والعافية ، والاهتمام والتركيز ، والحرص على القيام بالوظائف والواجبات والتكاليف الحياتية .
إن الإنسان السوي من خلال المراحل والنمو المستمر والتعليم والتعلم والتنشئة والتربية وما يتزود به من المعلومات والمعارف والمهارات والقيم والأخلاق الرفيعة العالية والتجارب والخبرات يتدرج فيه الإدارك والوعي ، ويصبح بعد مرور العديد من تلك التجارب والخبرات صاحب الوعي والفهم والإدراك الرشيد .
إن الوعي بالذات أو الوعي الذاتي والوعي الفكري العقلي والوعي الاجتماعي والوعي التربوي والوعي الثقافي والوعي الإقتصادي ؛ كل ذلك من الجوانب والمجالات المهمة في الوعي بالإنسان والحياة والكون !
إن من الغايات العليا والمقاصد الكبرى ؛ من التعرف على مفاهيم الوعي والفهم والإدراك هو أن يرسم الإنسان السليم لنفسه ، ولمن يعول ويربي الطريق الصحيح والسليم إلى السعادة والسرور والفرح والأمل والنجاح والفوز في حياته .
من مصادر زيادة وصناعة الوعي والفهم الرشيد بالذات والحياة والكون :
أولاً: الآباء والأمهات في الأسر الكريمة والعوائل الحبيبة :
تؤثر طرق وأساليب التربية التي يقوم بها الآباء والأمهات على الأولاد ! وقد يكون لها التأثير الكبير الإيجابي في الفهم والإدراك وزيادة الوعي السليم ؛ فهم يشاهدون ويسمعون ويتفاعلون مع أسرهم وعوائلهم في مجالات الحياة المختلفة والمتباينة سلباً أو إيجابا !
ثانياً: دور العبادة : تبقى للمساجد وما فيها من الوعظ والتذكير الدائم والمستمر ، وإقامة الصلوات الخمس ، وتلاوات القرآن الكريم ، وتنفيذ بعض البرامج الإثرائية الثقافية والمجتمعية ، ومشاهدة اجتماعات الناس خمس مرات في اليوم والليلة الأثر الإيجابي الكبير في تشكيل وتكوين الفهم والوعي السليم.
ثالثاً: التعليم العام :
في المدارس على اختلاف مراحلها ؛ هناك جملة من الأهداف والمقاصد التربوية والتعليمية السامية الجميلة التي يركز عليها التعليم والتعلم وتساعد في تشكيل وتكوين الوعي والفهم الرشيد.
رابعاً: دور الإعلام ( قنوات التواصل الإجتماعي) :
الإعلام الهادف المرئي والمقروء والمسموع يساهم في صناعة وصياغة الفهم والوعي والإدراك السليم للإنسان الطبيعي .
خامساً: الصحبة والرفقة :
تترك الصحبة والرفقة في الإنسان صغيراً كان أو كبيراً الأثر الإيجابي أو السلبي والذي يساعد في تكوين الفهم والوعي السليم.
ويعد صياغة وصناعة الوعي والفهم الرشيد وتشكيل الفكر الوسط والمتزن والإعتدال والمشاعر الفياضة تجاه الإنسان والوطن والقيم والمبادىء والأخلاق الرفيعة العالية ، وكيفية التعامل والتفاعل مع الآخر المختلف ؛ أمانة كبرى لدى الآباء والأمهات ثم المربين والمربيات في مصانع التربية والتعليم .
وحقيقة الإنسان في كل مجتمع وثقافة وتأريخ هو منتج وعي وفهم رشيد ! وصورة حقيقية ونموذج مصغر لمنتجات ذلك الوطن !