كُتاب الرأي

“كم شِدةٍ كشَفَتْ مَعادِنَ أَهلِهَا”

🖋️ د. عبدالعزيز رداد الحارثي

“كم شِدةٍ كشَفَتْ مَعادِنَ أَهلِهَا”

لا يمكن  للإنسان أن يُفَرِّقَ بين صديقه المخلص وصديق المنفعة والرخاء إلا بالمواقف الصعبة. وكما أن النجوم لا تُرَى جيداً إلا في عتمة الظلام، فلا تبين معادن الناس إلا في ظلمة الشدائد. وكما قال ابن خلدون: الناس فى السكينة سواء، فإن جاءت المحن تباينوا. وقد يكون عدوك هوأقرب الناس إليك. يقول الإمام الشافعي رحمه الله:

جَزَى اللّهُ الشَّدَائِدَ كُلَّ خَيْرِ

وَإنْ كانتْ تُغْصِّصُنِي بِرِيقِي،

وَمَا شُكَرِي لهَا حمْداً وَلَكِنْ

عرفتُ بها عدوّي مِنْ صَدِيقي.

وكما لا يمكن الحكم على الكتاب من غلافه، فلا يمكن الحكم على الناس من مظاهرهم، فطبائعهم الحقيقية لا تبين إلا بالمعاشرة كما قال الشاعر:

صُنُوْفُ الأَنَامِ بَالِتَّعَاشُرِ تُعْرَفُ

أَمَعْدَنٌ أَصِيلٌ شَخْصُهَا أَمْ مُزَيَّفُ،

فَكَمْ مِنْ جَمِيلٍِ أَبْهَرَ النَّاسَ حُسْنهُ

وَأَفَعَالُهُ مَعَ الوَرَى لَا تُشَرِّفُ،

وَكَمْ مِنْ دَمِيمٍ مِنْ جَمَالِ صِفَاتِهُ

تمَنَيَّتَ لَوْ صِفَاتُهُ فِيْكَ تُوصَفُ،

طِبَاعُ الوَرَى تَبْقَىٰ عَلَيْنَا خَفِيَّةً

وَكُلُّ الطِّبَاعِ بِالِتَّعَاشُرِ تُكْشَفَ.

وليس العبرة بكثرة الأصدقاء بل بأخلاقهم النبيلة ومعادنهم الأصيلة ولو كانوا قلة. يقول الشاعر ابن الرومي في صدر قصيدته المعروفة:

عدوُّكَ من صديقك مستفادٌ

فلا تستكثرنَّ من الصِّحابَ،

فإن الداءَ أكثرَ ما تراهُ

يحولُ مِنْ الطعامِ أو الشرابِ.

ثم يقول في آخرها:

ولو كان الكثيرُ يَطيبُ كانتْ

مُصاحبةُ الكثيرِ من الصوابِ،

فدعْ عنك الكثيرَ فَكمْ كثيرٍ

يُعافُ وكَمْ قليلٍ مُسْتَطابِ.

كاتب رأي واستشاري باطنية
      ١٤ رمضان ١٤٤٦

د . عبدالعزيز بن رداد الحارثي

كاتب رأي واستشاري أمراض باطنية وطب المسنين ومشرف الثقافة الغذائية والصحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى