كُتاب الرأي

وصايا قلم الرصاص الخمسة

د.سالم رزيق بن عوض
وصايا قلم الرصاص الخمسة

في فنوننا الأدبية الجميلة مواطن العبرة والعظة والفوائد والقلائد النفيسة التي لا تنتهي عجائبها ولا تمل من إعادتها مرات ومرات ويبقى القلب والنفس متعلقان بما وقع فيهما من جمال العبارات وجمال الجمل وتصوير المعاني المفيدة والجديدة وما يترك ذلك من أثر على النمو العقلي المعرفي.

فكم قيل لنا ! وكم قرأنا نحن من جمال قصص ألف ليلة وليلة !

وكم وقفنا عند الصور الجميلة والمفيدة التي ترسمها قصصها !

وكم رسمت فينا قصص كليلة ودمنة من نفائس الصور ! وروعة المعاني ! وفتون السرد القصصي ! وغريب الكلمات الصادقة في التوصيف لغرائب الأحداث! كل ذلك في ذائقة فائقة وحسن سبك وقوة تصوير عجيبة !

والتجريد فن من الفنون الأدبية الشائعة بين الثقافات المختلفة والمتباينة والمتعددة وفي اللسان العربي الجميل وتزدحم الكتب الأدبية والثقافية به ، وهو أن يجرد الشاعر أو الناثر شخصاً غيره يتحدث معه ، ويحاوره ! وقد تعلو نبرات الحديث والكلام معه ! قد يكون ذلك الشخص الآخر عاقلا أو غير عاقل من الدواب والبهائم وسائر العجماوات ! وقد أكثر أجدادنا في العصور الأولى من طرق هذا الفن ! و قد زاد ذلك في العصر العباسي الثاني المتأخر من هذا الفن حتى ظهرت في تلك الآونة موسوعة ألف ليلة وليلة! وكليلة ودمنة ! وحي بن قيظان ! وغيرها من الكتب الثقافية التي اهتمت بهذا الفن الجميل الأصيل !.

وقد كان الغاية السامية الجميلة من وراء هذا الفن هو إيصال الأفكار والأمثال والعبر والحكم إلى أكبر عدد من الناس ؛ في سهولة ويسر وبساطة في الأساليب والطرق والمشوقة لهم ! والتي من خلالها سيفهمون المراد منها !

يُذكّرنا صاحب هذه القصة بهذا الفن العربي العالمي النفيس حيث يوصي صاحب مصنع أقلام الرصاص أول قلم صنعه قائلا له : يا قلم الرصاص إني أوصيك بخمس وصايا إن سمعتها وعقلتها وعملت بها سعدت وأسعدت من كنت بيده .

فقال قلم الرصاص: وما هي هذه الوصايا الخمس الفريدة يا سيدي ؟!

قال صاحب مصنع قلم الرصاص:

الوصية الأولى:

 أعلم أننا صممناك وصنعناك لأهداف سامية و غالية علينا ؛ وأن الجهود الطيبة الجميلة التي بذلت في صناعتك وصياغتك غالية وعزيزة ونفيسة.

الوصيّة الثانية:

أعلم أن أعظم وأجمل وأجود وأقوى ما فيك هو داخلك وليس ظاهرك ؛ ما وضعناه في داخلك هو حقيقة الأجمل والأفضل والأحسن والأجود والأقوى لك أنت !

الوصيّة الثالثة:

في طريقك في أيدي الناس سوف تتعرض للبري والتنظيف فلا تقلق ولا تهتم فهذا البريُ يزيدك قوة وجمالا ؛ وكلما تعرضت لذلك فأعلم أنك ستعود جديداً جميلاً نشيطاً قادراً على العمل والكتابة !

الوصيّة الرابعة :

قد تخطئ أحياناً أثناء الكتابة والعمل فلا تقلق فإننا قد صممنا خلفك ممحاة ؛ تمحو الأخطاء فتحرك وسر في طريقك ، ولا تفكر حتى في تلك الأخطاء والحماقات والهنات والإنكسارات الطبيعية التي ستقع فيها ! فقط واصل العمل الحقيقي !

الوصيّة الخامسة :

عليك أثناء رحلتك الطويلة في أيدي الناس أن تترك لك أثراً طيباً أثراً يذكره الناس و الزمان ؛ وهو الشهادة الكبرى والدليل العظيم على وجودك ! وعلى عبورك بين الناس !

فقال قلم الرصاص : سيدي لقد أحسنت وأجملت وأمتعت !

وأنا كقلم رصاص كما أحسنت إليّ بتلك الوصايا الخمسة   لدي كذلك وصاياي الخمس لك ولبني جنسك .

فقال صاحب قلم الرصاص: تفضل يا قلم الرصاص هات ما عندك ؟ فقد شوقتني لسماع تلك الوصايا الفريدة.

قال قلم الرصاص :

الوصيّة الأولى يا مولاي :

أنتم معاشر البشر خلقكم الله تعالى لغاية عظيمة ومقصد عظيم فهو تبارك وتعالى حدد لكم الغاية من وجودكم في الحياة الدنيا.

الوصيّة الثانية:

أفضل وأمتع وأقوى ما فيكم هو ما تملكون من عقيدة وقيم ومبادئ وأخلاق وإيمان تحملونه في قلوبكم .

الوصيّة الثالثة:

أنتم جميعاً في دار الدنيا دار البلاء والامتحان والاختبار فسوف تتعرضون لأصناف وأنواع الابتلاء فعليكم بالصبر

 والتحمل والصدق مع الله تعالى. وهذا الامتحان عليكم أن لا يخرج منكم إلا أجمل ما تملكون من إيمان وصدق وصبر ومحبة وتضحية وفداء …

الوصيّة الرابعة :

ربكم فتح لكم أبواب التوبة والعودة والقبول فمن أخطأ منكم فليستفغر وليتوب إلى الله تعالى فالأمر يسير على من يسره الله تعالى له ومازال ربكم الغفار والغفور والرحمن الرحيم التواب والودود الحنان المنان .

الوصيّة الخامسة :

في سعيكم في مضمار الحياة الدنيا عليكم أن تتركوا لكم أثراً طيباً وتضعوا لكم بصمة وعملا صالحا لا ينقطع أبداً .

قال صاحب قلم الرصاص:

خمس وصايا بخمس وصايا لقد أحسنت و أصبت .

مصلح ومستشار أسري

د. سالم بن رزيق بن عوض

أديب وكاتب رأي وشاعر ومصلح ومستشار أسري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى