نهج السعادة .. احتياجات (الجانب الروحي) 3

تحدثنا في مقال سابق عن احتياجات الإنسان الروحية التي تشير إلى الجوانب النفسية والمعنوية التي تلبي رغبة الإنسان في حاجتي (الإيمان والاعتقاد ، البحث عن المعنى والغاية من الحياة ، التأمل والتفكر والتدبر) لنكمل حديثنا في هذا المقال عن بقية هذه الاحتياجات وهي الحاجة إلى:
٤-أداء العبادات والذكر والمناجاة:
معنى العبادة في اللغة والشرع التذلُّل والخضوع والانقياد ، والعبادة في اللغة من الذُّلّة، يقال: طريق معبد أي: مُذلّل. وفي الشرع عبارة عما يجمع كمال المحبة ، والخضوع ، والخوف..
العبادة مصطلحاً : اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة..
والعبادات كثيرة جداً منها : الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والذكر والدعاء، وقراءة القرآن الكريم، وحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وخشية الله، والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضا بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف من عذابه..
عندما كلف الله عبادهُ من البشر بإقامة العبادات أمرهم وكلفهم حسب استطاعتهم ومقدرتهم البشرية ، قال تعالى :(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)البقرة(286) ، فكانت العبادات حسب الإستطاعة منها اليومية كواجب الصلاة الخمس المفروضة ومنها السنوية كواجب الصوم في شهر رمضان وأخراج الزكاة ومنها ما يقام به كواجب مرة واحدة في العمر وحسب الاستطاعة المالية والجهد العضلي وهي أداء فريضة الحج قال تعالى 🙁 وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ”ال عمران (79)..
قال تعالى في عبادة الصلاة والزكاة:( وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)﴿٤٣ البقرة﴾..
كما قال تعالى في عبادة الصوم مع الاعتبار والترخيص لمن لا يستطيع الصوم:(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون (183) أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدّة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون) البقرة (184)..
بينما تلاوة القرآن الكريم والإبحار في كلام الله سبحانه وتعالى يجلب للروح والنفس الهدوء والطمأنينة والكثير من الحسنات قال جلّ شأنه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ﴾ (فاطر: 29) ، والانفاق في الاية الكريمة الزكاة والصدقات ، جمعها مع تلاوة القرآن الكريم وشبهها بالتجارة الرابحة مع الله سبحانهُ وتعالى ، وهي التجارة القائمة مع الله سبحانه وتعالى في الدنيا وعائدها الربحي في الآخرة والفوز بجنة الله ورضاه..
كما أن الدعاء من أسمى العبادات فهي المناجاة مع الله وطلب الحاجات والشكوى والشكر والامتنان وذرف الدموع أثناء التوبة وطلب العفو ومحو الذنوب ، قال تعالى : {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} [غافر: 60].
بينما الذكر هو التنزيه والتسبيح وتعظيم الله سبحانه وتعالى ، قال تعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الأحزاب:41-42]
قال تعالى:(ٱذۡكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِیتَ وَقُلۡ عَسَىٰۤ أَن یَهۡدِیَنِ رَبِّی لِأَقۡرَبَ مِنۡ هَـٰذَا رَشَدࣰا)[الكهف ٢٤]
كل هذه العبادات التي فرضها الله على البشر لحكمة معينة مذكورة في قَوْلَهُ تَعَالَى: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا) [طه:112] هنا تكفل الله لمن يقوم بهذه العبادات الا يخاف أبداً فحقه في الأجر والمثوبة لن يضيع ولن يُهضم بل سيأخذهُ أضعاف مضاعفة في الدنيا والآخرة..
كل هذه العبادات لها أثر عميق وإيجابي على الصحة النفسية وعلى روح الإنسان حيث تسهم في تحقيق التوازن النفسي وتعزيز الشعور بالراحة والطمأنينة وفيها الكثير من الآثار النفسية الإيجابية وهي :
-الطمأنينة والسكينة تساعد العبادات مثل الصلاة والذكر والتأمل في تهدئة النفس وتقليل التوتر والقلق ، مما يؤدي إلى شعور عام بالراحة والاستقرار النفسي والتخلص من القلق والاكتئاب..
-تقوية العلاقة بالله عزّ وجلّ ، تُعزّز العبادات الإيمان بالله وتقوي الشعور بالتواصل الروحي معه، مما يجعل الإنسان أكثر التزامًا بالطاعات والابتعاد عن المعاصي..
-التطهير الروحي والنفسي ، تُساهم العبادات في تطهير القلب من الأمراض الروحية مثل الحقد والحسد والكِبر، وتُذكّر الإنسان بضعفه واحتياجه الدائم إلى الله..
-الالتزام بالعبادات يعزز الشعور بالتفاؤل والأمل ، كما يخفف من الضغوط النفسية عبر تعزيز الإيمان بأن الأمور بيد الله بالتالي فهي تكفل وتحقق التوازن النفسي بين الجوانب الروحية والجسدية..
-تعزيز الثقة بالنفس فالتقرب إلى الله يمنح الإنسان الشعور بالقوة الداخلية والقدرة على مواجهة التحديات بثبات..
-تحسين العلاقات الاجتماعية عن طريق العبادات الجماعية ، مثل الصلاة في المسجد وصيام رمضان ، تعزز روح التعاون والتواصل الاجتماعي ، مما يقلل من مشاعر الوحدة والعزلة..
-التحكم في المشاعر السلبية ، تساعد العبادات في تقليل الغضب والحسد والحقد، وتُعزز قيم التسامح والصبر والرضا..
-تنمية الشعور بالهدف والمعنى في الحياة تمنح العبادات الإنسان إحساسًا بالغاية والاتجاه ، مما يساعده على العيش بحياة مليئة بالقيم والمعاني..
-تعزيز القدرة على التحمل والصبر ، تساعد العبادات ، مثل الصيام والصلاة ، في تدريب النفس على الصبر والتحمل ومواجهة التحديات بقوة..
-تحسين الصحة الجسدية ، بعض العبادات ، مثل الصلاة والصيام ، لها تأثير إيجابي على الصحة الجسدية، مما ينعكس إيجابًا على الحالة النفسية..
-تُعيد العبادات التوازن بين متطلبات الجسد وحاجات الروح، مما يؤدي إلى حياة صحية ومتوازنة على المستوى النفسي والجسدي ، بالتالي فإن العبادات ليست مجرد طقوس دينية ، بل هي غذاء للروح ، ووسيلة للتقرب من الله وتحقيق السلام الداخلي..
الالتزام بالعبادات بشكل معتدل ومتزن يسهم بشكل كبير في تعزيز الصحة النفسية وتحقيق حياة أكثر سعادة واستقراراً..
الكاتبة / أحلام أحمد بكري