عدوي اللدود

فاطمة سعد الغامدي
عدوي اللدود
أغذ الخطى ، أتوجس خيفة ، ظل يسير خلفي تارة وعن يميني أو يساري تارة ، الطرقات هادئة ، النسيم يحرك اغصان الأشجار المصطفة بدقة إلى جوارالطريق ، عددقليل من الناس يعبر الطريق بين الحين والآخر ، شعرت بالندم ؛ إذيبدو أنني اخترت الوقت غير المناسب
للسير على قدمي تجاه المول المجاور،
هذا الوقت من العام نهاية تشرين أشعر أنني جزء من الطبيعة ، ارهف سمعي للسكون ولهمس الطبيعة مع بعضها البعض ، هو موسم التكاثر حيث تنشط الفراشات بجوار المصابيح الفلورسينتية ، وتسمع القطط الذكور تتعارك ، الكلاب البرية تكاد تقتل بعضها بعضها والديوك تتبارى بطريقة مريعة ، اسأل نفسي أكل هذا لأجل البقاء ؟! الأزهار تبرز حسناء تدغدغ الحواس ، اقتطف زهرة لوزبيضاء مموشة بلون أرجواني باهت أغلفها كي أزين بها شعري عندما أعود للبيت ، كل ذلك يقف محتشدا أمام مشاعري وشجني واحساسي بالوحدة ، دموعي تنسكب وصوتي يرق ، الظل يطل ثانية يقترب مني ، يعانقني بحنان ، ترتخي يدي المشدودة ، أصرخ به ، فيتوارى قليلا ، أسرع ، ملامح طفولتي تتبلور ، أرى أبي الرجل القوي الشجاع والجاد جدا قادما من بعيد ، فيهرب أطفال قريتنا عندما يرونه فتنتفخ أوداجي الواهنة اشعر أنني طويلة جدا وقوية جدا ، أركض خلف أبي بزهو ، يسألني أضربك أحد؟ ، أترددثم أرد كاذبة لا ياأبي لايجروء أن يضربني أحد ، نعم أكذب فكلهم يضربونني ويسرقون مصروفي ولم أخبر أبي أو أمي كي لايحرمانني من اللعب معهم ، يضحك ظلي المتلصص على همساتي ، اقترب منه لأصفعه ، تقف يداي في الهواء ، يلتفت المارة نحوي بريبة ، يتهامسون ، أغذ الخطى نحو المول ، أدلف من البوابة الرئيسية ، امضي نحو المقهى ذي اللون الخشبي المصنوع من سوق البامبو ، أبحث عن طاولة أجدها في ركن دافيء ، أطلب قهوة سوداء ، احتسيها وأنا شاردة الذهن ، اتنهد حينا بعد حين ، استنكر شجني ، يسقط الظل فوق كوب قهوتي ، أرفع رأسي ، يقترب الظل مني ، يلتقط دمعتي ، يحضنني ، استسلم لذكرياتي وأحزاني ، أحدهم يحملق بنا ،أغادرالمقهى ، أهرب ، أسير بجوار المحلات الكبيرة الزجاجية ولاأهتدي لأبوابها، أراني وقد عدت للبيت وقد مزق أصدقائي وصديقاتي ملابسي ونحن نركض ، يجب أن أبدلها قبل أن تشعربي أمي، أدلف من باب صغير خلفي ، الدجاجات تلتقط الحب ، فرت وشقشقت عاليا ، لم تشعر بذلك أمي ، اقتربت في هدوء ، وأنا أنصت لصوتها الجميل تغني لأم كلثوم يافؤادي رحم الله الهوى ، ألتفتت وأخيرا عدتِ ، ارتجفت وقبل أن أصرخ أو اختلق كذبة ما قالت لي استحمي وبدلي ملابسك ثم ضعي ملابسك المهترئة في كيس ، اغتسلت وارتديت ملابسي واقتربت من المدفأة ، أفكر كيف علمت أمي بأمر ملابسي الممزقة ، تذكرت صديقتي النمامة مريم وكيف انسحبت في هدوء ونحن نلعب .. كم هي مخادعة !!!! لقد أخبرت أمي مقابل قطعة حلوى .. يطل الظل مبتسما أقذفه بقارورة الماء التي بيدي ، تتدحرج القارورة أرضا ، يكاد يسقط الأطفال الراكضون ، تصرخ في وجهى أم أحد الأطفال ، يهرع نحو ي حارس الأمن ويطلب مني مغادرة المول حالا ..…أغادره خجلى وغاضبة
يتبعني ذلك الظل ، اسأله ألا تختفي؟ وقد ذهبت الشمس؟ ابتسم قائلا لكن المصابيح لم تذهب .. وهل للمصابيح ظل أيها النسخة ؟!!!
قال نعم :
لم أسمح له بمزيد من الكلام ولاالتطفل ولا الازدياد في الحجم
أقرر بيني. وبين نفسي أن أحشوه ظلاما كي يختفي للأبد ،
أعود للبيت ، أشعر بمرار ة الأيام في فمي ، بالوحدة وبغرابة الحياة والوجوه ، لم نرتوِ من وجوه أحبتنا ولاأصدقائنا ولاأيامنا وأوقاتنا .. نركض في كل اتجاه ، نبحث عن حياة أكثر رغدا .. ابتسمت وعدلت جلستي قليلا
طردت خواطري الضآلة التي لم تجد متكئا آخر تثير الآلام فيه ، قمت إلى موقد خدمة غرفتي ، صنعت قهوة قاتمة ، احتسيتها وتمددت على الكنبة كما يفعل البسطاء في بيوتهم ؛ كان ظلي يتمدد على الجدار مثلي تماما .. قالت لي صديقتي جميعنا يتبعنا ظلنا لكننا لانكترث لذلك … ثم أردفت عليك أن تفعلي مثلنا … تجاهليه ،لكن ظلها لايتحدث ..
ظلي يقاطعني عندما أتحدث ويفشي أسراري عندما يختفي ، يلاكمني حينما نحشر في مكان مزدحم ، ظلي يعبث في أوراقي ويقف أمام مدير عملي ويقدم استقالة نيابة عني، يتشاجر مع أصدقائي
ذات يوم دفعوني أثناء شجار حاد ،كانت الإنارة خافتة ، سقطت من طابق علوي ، رأيت ظلي مرتسما على الجدار ثم لم أعد أعي شيئا ، أخبرني الطبيب عندما أفقت أنني لن أسير على قدميّ قريبا ،،باب غرفتي يطرق ويدخل ظلي الطويل ؛نظرت إليه فزعة !! كيف استطعت الانفصال عني ؟ والقيام بأعمال مستقلة ؟ لم يجب على اسئلتي ، لم انظر إلى عينيه من قبل لقد صدمتني لمعة الانتصار فيهما ؛ وبزهو ربت على كتفي وخرج من الباب بثقة.
- كاتبة وقاصة وأديبة سعودية