كُتاب الرأي

نيتنياهو سارق مستقبلنا العربي

محمد الفريدي

نيتنياهو سارق مستقبلنا العربي

أزعج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو العالم العربي بتكرار تصريحاته حول خططه لتغيير ملامح الشرق الأوسط، و تصنيف دوله إلى “دول نعمة” و”دول نِقْمَة”، والتهديد بإعادة تشكيل جغرافيتها السياسية لضمان هيمنة إسرائيل المطلقة على المنطقة.

إن رؤيته هذه تشبه مفهوم “الفوضى الخلّاقة”، تهدف إلى تفكيك العالم العربي وإعادة تقسيمه بما يخدم مصالح القوى الكبرى. إلا أن ما يميز مشروعه هو أنه لا يقتصر على إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط فحسب، بل يسعى أيضا إلى تفكيك الهوية العربية وزرع الانقسامات المختلفة، لضمان استمرار الهيمنة الغربية والإسرائيلية لعقود طويلة، وتحويل المنطقة إلى أرض صراعات مستمرة، تُمحى فيها آمال الوحدة العربية إلى الأبد، وتُدمّر أواصر التضامن العربي بين الدول.

ويتمثل هدفه في تدمير الدول العربية المعارضة وتعزيز تحالفاته مع الدول المتفقة معه، وتغيير التركيبة السكانية والجغرافية للمنطقة وخلق كيانات ضعيفة تعتمد اعتمادا كليا على الدعم الإسرائيلي مما يضمن هيمنته المطلقة على شعوب وثروات المنطقة.

إضافة إلى ذلك، يرفض نتنياهو الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، ويعتبر عملية السلام التقليدية مستحيلة، ويسعى بدلا من ذلك إلى فرض تسوية أمنية قسرية باستخدام القوة العسكرية والنفوذ السياسي المدعوم بالقوة الأمريكية والتوجهات التلمودية المتطرفة. وبهذا النهج، يعمق اليأس والإحباط بين الفلسطينيين وشعوب بقية منطقتنا العربية، مما يزيد من تعقيد الوضع ويعمق الفرقة في المنطقة.

وتصريحاته حول “تغيير الشرق الأوسط” تكشف عن نوايا إسرائيلية لإعادة تشكيل المنطقة بما يتماشى مع مصالحها الاستراتيجية.
وهذه الطموحات، المستندة إلى جذور تلمودية وتاريخية تسعى إلى توسيع النفوذ الإسرائيلي والسيطرة على الأراضي الفلسطينية وتقسيم المنطقة وتفكيك دولها دولة دولة.

ففي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، عرض نتنياهو خريطة جديدة للشرق الأوسط تعكس نيته لإعادة تشكيل المنطقة وفقا لمخططاته الصهيونية المدعومة من غالبية أعضاء الكونغرس والحزبين الأمريكيين، الذين تواطؤوا في ضياع فلسطين، وأيدوا سعيه للهيمنة الإسرائيلية المطلقة على المنطقة، وتقسيم الشرق الأوسط إلى معسكرين، أحدهما يُسمى “محور النعمة”، ويشمل إسرائيل ودول “محور الاعتدال”. وتظهر الخريطة جميع الأراضي الفلسطينية التاريخية بلون داكن، دون الإشارة إلى الضفة الغربية أو القدس الشرقية أو قطاع غزة.
ومحاولاته لتقسيم المنطقة إلى “دول نعمة” و”دول نِقْمَة” تهدف إلى إنشاء كيانات ضعيفة وهشة تعتمد بالكامل على إسرائيل مما يعزز هيمنتها المطلقة على المنطقة.
وتواصل إسرائيل بدعم من الغرب بقيادة الولايات المتحدة، جهودها لاستعادة ما فقدته بعد 22 ربيع الأول 1445 – 07 أكتوبر 2023، بتفكيك المنطقة وتعزيز هيمنتها عليها تحت نظر هذه الدول الظالمة.

والسؤال المطروح الآن : هل يمتلك العرب مشروعا موحدا لمواجهة هذه الحقبة بكل تعقيداتها؟
إن غياب المشروع العربي الموحد يعني أن دول المنطقة ستدفع الثمن كلٌّ حسب موقعها وقدراتها مما يعرضها لخسائر متفاوتة وفقا لتعقيدات المرحلة.

وهذا الثمن لن يقتصر على الخسائر المادية والسياسية فحسب بل سيمتد ليشمل الهوية، والثقافة، والدين، والمستقبل.
لذلك، فإن الحاجة إلى مشروع عربي موحد أصبح أكثر إلحاحا من أي وقت مضى.

ومن الضروري أن تتوحد الدول العربية وتتبنى استراتيجية شاملة لمواجهة التحديات، تعزز التعاون والتكامل، وتضمن بناء مستقبل مستدام للأجيال القادمة، فتغيير الشرق الأوسط  بهذا الشكل معناه استعمار غربي جديد مدفوع بالطموحات الإسرائيلية، وتستغل القوى العظمى التوترات والصراعات لإعادة تشكيل المنطقة بما يخدم مصالحها ويحقق لاسرائيل مشروع “إسرائيل الكبرى”.

وأبرز محاولات نتنياهو هي رؤيته لتقسيم الشرق الأوسط بناءً على الثروات والقدرة على التأثير لإضعاف الدول العربية وتحويلها إلى كيانات هشة خاضعة للنفوذ الإسرائيلي تمهيدا للهيمنة الكاملة على ثروات المنطقة.
فهو يسعى بذلك لإرساء نظام جديد في المنطقة من خلال رؤية تقسّم الشرق الأوسط إلى “دول نعمة” و”دول نِقْمَة” والتي هي في الاساس رؤية استعمارية قديمة تُكيف وفق ظروف كل مرحلة.

فقد عمل الاستعمار الغربي تاريخيا على تقسيم العالم العربي، بدءا من غزوات الفرنجة في العصور الوسطى، وصولا إلى معاهدات “سايكس-بيكو” و”سان ريمو”، بهدف تفكيكه إلى كيانات صغيرة تخدم مصالح القوى المهيمنة.
أما اليوم، فإن التهديد أصبح أكبر وأكثر خطورة، حيث تسعى إسرائيل، بدعم من القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، إلى فرض نموذج جديد لإعادة تشكيل الشرق الأوسط بما يخدم مصالحها الاستراتيجية المشتركة.

ويرتكز هذا النموذج على تعزيز الهيمنة الإسرائيلية عبر تقسيم المنطقة إلى كيانات ضعيفة وهشة، يسهل التلاعب بها وإخضاعها لخدمة المصالح الإسرائيلية والغربية، مما يضعف قدرة الدول العربية على تحقيق استقلالها الحقيقي والحفاظ على وحدتها وسيادتها.
وفي هذا الإطار، يسعى نتنياهو إلى تقوية ما يُسمى بـ”دول النعمة”، المتوافقة مع إسرائيل أمنيا واقتصاديا ، مقابل تفكيك وإضعاف “دول النقمة”، المعارضة، لتصبح غير قادرة على تشكيل أي تهديد مستقبلي.

ومن أبرز معالم سياسة نتنياهو اعتماد “الفوضى الخلاقة”، التي تهدف إلى إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للمنطقة بما يخدم الأجندات الغربية والإسرائيلية.
ومن خلال هذا التفكيك المدروس، تسعى إسرائيل إلى تعزيز تفوقها العسكري والسياسي، بينما تحرم الفلسطينيين من تحقيق حلمهم في إقامة دولة مستقلة.

لكن هذه السياسات لا تلقى قبولا عالميا ، إذ يرفض العديد من قادة العالم محاولات تغيير الهوية السياسية والجغرافية للمنطقة.
وعلى الرغم من الدعم الغربي لها، فإن الشعوب العربية أصبحت أكثر وعيا بضرورة مواجهة هذه التهديدات، وتتطلع اليوم إلى الوحدة والتكامل كوسيلة أساسية لمواجهة التحديات الكبرى.

والسؤال المطروح الآن: هل يمكن للعرب تجاوز انقساماتهم الداخلية لمواجهة المشروع الإسرائيلي؟
غياب الاستراتيجيات العربية الموحدة في هذه المرحلة سيكون خطأ تاريخيا يسمح لإسرائيل بإتمام مخططاتها وتعميق النزاعات وتعزيز هيمنتها في المنطقة.

الخلاصة أن مشروع نتنياهو في الشرق الأوسط ليس مجرد إعادة ترتيب للحدود أو توزيع جديد للثروات، بل هو استحواذ سياسي وعسكري يهدف إلى الهيمنة وسرقة كامل ثروات المنطقة.
وغياب الرد العربي الموحد سيجعل المستقبل محفوفا بالمخاطر، وستدفع شعوب المنطقة الثمن بسبب غياب الرؤية المشتركة.

ومع استمرار هذا التوجه الإسرائيلي، يتوجب على العالم العربي أن يتوحد ويضع استراتيجية شاملة تعتمد على التعاون السياسي والاقتصادي لمواجهة التحديات.
ولا تقتصر الوحدة على الاتفاقات السياسية فقط، بل يجب أن تشمل أيضا تعزيز القدرات العسكرية والدبلوماسية والتعليمية والإعلامية والاقتصادية، لضمان مواجهة فعالة لمحاولات تقسيم المنطقة.

والقضية الفلسطينية يجب أن تكون في صدارة أولوياتنا العربية، إذ لا يمكن تحقيق سلام شامل وكامل في المنطقة دون الاعتراف بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم وعاصمتها القدس.
وعلى القادة العرب أن يتجاوزوا خلافاتهم الداخلية، ويضعوا رؤية مشتركة تعكس المصالح العربية، وتعيد الهيبة لهويتنا وثقافتنا العربية، لضمان مستقبل أفضل لأجيالنا القادمة.

كاتب رأي

محمد الفريدي

رئيس التحرير

‫6 تعليقات

    1. أستاذتي الفاضلة أمينة فلاتة ..
      كلماتك الجميلة وسام على صدري، ودافع لي للاستمرار في تقديم كل ما يسهم في إثراء المشهد العام.
      أشكرك على تقديرك واهتمامك الذي أعتز به دائما سيدتي ، وتقبلي فائق تحياتي واحترامي.
      أخوك / أبو سلطان

    1. أستاذتي الفاضلة شقراء.
      بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا على كلماتك الجميلة، ودعمك الدائم الذي هو حافز لي للاستمرار في طرح القضايا التي تلامس هموم أمتنا ، وتقبلي خالص تقديري واحترامي.
      أخوك / أبو سلطان

  1. الكاتب القدير الأستاذ محمد علي الفريدي رئيس تحرير صحيفة آخر أخبار الأرض الإلكترونية كما هي عادتك وأنت تكتب بعمق وبعين الحقيقة في مقالاتك الصحفية في تميز بالاختيار الأفضل الذي ينشده العالم عموما والعالم العربي ونحن نعيش القضية الفلسطينية التي كان الثمن أرواحنا أبطالنا البواسل ومدخراتنا وعلاقاتنا وأوقات قادتنا العرب من الملوك والأمراء والرؤوساء ومنهم تدفع روحه شهيدا ومع كل هذه التضحيات تبقي قضيية فلسطبن قضيتنا الأولى كما هي منذ ما يزيد عن سبعة عقود زمنية قابلة للزيادة مع إستمرار الدعم السياسي والمادي للوصول لحلول فاعلة ولكن لم تنجح هذه الجهود لتستنفذ القضية الفلسطينية كل الحلول والمعاهدات التي أبرمت مع دولة إسرائيل والدول الكبري الراعية للسلام التي تميل لمساندة إسرائيل بكل جهودها الممكنة لتكون إسرائيل القادرة بعمل المزيد من استراتيجياتها وخططها والتي أشرت إليها في محتوى مقالك وتفرغت إسرائيل لخلق صراع الحرب الباردة وزرع الفتن في جسم بعض الدول العربية ونجحت في ذلك لمتغيرات سياسية وجدت مناخ مناسب شغلت الرأي العام العربي وأضعفت القرار السياسي وهذا مكمن القضية وإذا تسآلنا عن مطامع إسرائيل فهي كثيرة ومتغيره ومتمزايدة فماذا لو تحقق لها جزءا من هذه المطامع التي من وجهة نظري أعتبر مطلب الأمن واحترام حق الجوار من الأولويات وربط هذا المطلب بالمصالح المشتركة مع التحالفات الدولية فهذه الصورة لو تحققت هذه الأيام من قبل الدول العربية التي تمتلك رعاية نجاح هذا المشروع وفق معاهدات مع الدول الغربية المرتبطة بعلاقاتها بإسرائيل بعد ضمانات تطبق على أرض الواقع في ظني هذا المؤشر قد ينبيء عن حلول تؤدي إلى نتائج عملية ومن خلال العمل على محاربة أشكال الإرهاب والإقتتال والحروب التي لم نجن منها إلاَّ إطالة عمر قضية فلسطين أطول قضية في تاريخ الحروب العالمية.
    شكرا لأستاذنا الكاتب الكبير على هذا المقال الذي لو أدرج في جدول العمل السياسي العربي لكفى …
    لك تقديري واعتزازي.
    * نائب رئيس التحرير

    1. اخي الكبير الدكتور محمد الجحدلي نائب رئيس التحرير .
      اشكرك جزيل الشكر على كلماتك الطيبة التي لا تخرج الا من شخص متفهم وواع لمجريات الامور.
      ان تذكيرك بموقف القضية الفلسطينية وتضحيات الشعوب العربية طوال السنين الماضية يعكس عمق ارتباطنا جميعا بهذه القضية التي تبقى في قلوبنا مهما طالت السنين.

      لا شك ان ما ذكرت من ان ما تحقق من جهود حتى الان قد يكون غير كاف، الا انني اؤمن ان المفاوضات والصراعات يمكن ان تثمر ان كان هناك تنسيق عربي حقيقي موحد، وهو ما يحتاج الى رؤية جماعية موحدة، كما اشرت في مقالي.
      اما بالنسبة لتحليل التغيرات السياسية في بعض الدول العربية وتأثيرها على القضية، فهذا يظل نقطة محورية يجب ان نلتفت اليها بعناية اكبر.

      وبالنسبة لما طرحته حول ضرورة العمل على حلول عملية لمواجهة المطامع الاسرائيلية، فان ذلك يتطلب دعما جماعيا من جميع الدول العربية، بالتوازي مع الالتزام بتعزيز القدرة الاقتصادية والسياسية.
      وفي النهاية، لا شيء اهم من ارساء الامن والسلام في المنطقة والاعتراف بالحقوق الفلسطينية.

      اشكرك استاذي مرة اخرى على تقييمك الكريم للمقال وأعتبره دافعا لي للاستمرار في تسليط الضوء على مثل هذه القضايا، و تقبل فائق تحياتي واحترامي.
      اخوك / ابو سلطان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى