هويتنا: بين الاحتواء والإقصاء

محمد الفريدي
هويتنا: بين الاحتواء والإقصاء
الجنسية السعودية ليست مجرد وثيقة، بل عهد يمنح الفرد المتجنس حقوقا وواجبات تجاه الوطن.
ومع ذلك، يعاني بعض المجنسون بيننا من التمييز والإقصاء، ويُنظر إليهم كغير مستحقين لهذه الجنسية وحقوقها، مما يعزز شعورهم بالتهميش والإحساس بأنهم مواطنون من الدرجة العاشرة .
ويعود هذا التمييز إلى التصورات النمطية السلبية القديمة التي تعتبرهم غرباء، وتعتقد أنهم نالوا بالجنسية امتيازات لا يستحقونها، مما خلق فجوة نفسية وسلوكية كبيرة بين المجنسين والمواطنين الأصليين.
وتُغذّي ثقافة التعالي الاجتماعي التي تميزنا بها التمييز ضد المجنسين، وننظر إليهم كأقل قدر وقيمة ومكانة ومواطنة، مما يعزز الفوارق الاجتماعية، ويولد الشحناء والبغضاء.
وهذه ثقافة تتناقض مع قيمنا الإسلامية والوطنية التي تدعو إلى العدل و المساواة واحترام حقوق المواطنة، وتؤكد أن الجميع متساوون في الحقوق والواجبات بغض النظر عن أصولهم أو جنسياتهم السابقة، كما أسهم جهلنا بالقوانين الخاصة بالجنسية في تعميق هذه الأزمة، حيث يجهل الكثيرون منا أن الجنسية السعودية تُمنح بناءً على معايير دقيقة تشمل الكفاءة والاستحقاق والمساهمة في خدمة الوطن، والظروف الانسانية في بلدان من تجنسوا بجنسيتها.
والتمييز ضد المجنسين لا يضر بهم فقط، بل ينعكس سلبا على مجتمعنا ككل، حيث يشعر المجنسون بالتهميش والإقصاء، مما يضعف ارتباطهم العاطفي والوطني بهذه الأرض المباركة، وبالتالي يضعف تماسك مجتمعنا، ويعرقل جهود بناء وحدة وطنية قوية، ثم إنَّ هذا التمييز يعيق استثمار طاقات المجنسين ومهاراتهم، مما يؤدي إلى خسارة إمكانيات كبيرة كانت ستساهم في دفع عجلة تطور وطننا.
واستمرار التعامل السيئ مع فئات المجتمع يشكل تهديدا للهوية الوطنية، ويضعف نسيجنا الاجتماعي، ويهدد استقرارنا الوطني، ولحل هذه المشكلة، يجب علينا رفع وعي مجتمعنا بأهمية المساواة والتعامل العادل مع الجميع، والتأكيد على أن المجنسين جزء مهم من نسيجنا الوطني.
و من خلال نشر هذه الثقافة وتعزيزها سنساهم في بناء ثقافة شاملة تعزز العدالة، والتماسك الاجتماعي، وتبث روح المواطنة في جميع أفراد مجتمعنا .
والإعلام والتعليم هما الأداتان الرئيسيتان لتحقيق هذه الاهداف، فيمكن للإعلام ان يعيد تشكيل الصورة النمطية للمجنسين من خلال تسليط الضوء على إنجازاتهم ومساهماتهم في بناء وتقدم الوطن فنعزز بذلك الفهم الصحيح لدورهم في النسيج الوطني، وفي التعليم، يجب ان نغرس قيم العدالة والمساواة في الأجيال الجديدة، مع التأكيد على أن الهوية الوطنية تقوم على الانتماء والعمل لخدمة الوطن، وليس على العرق أو الأصل.
فقد وضعت المملكة أنظمة وتشريعات قوية لحماية حقوق المجنسين وتجريم التمييز ضدهم، بهدف توفير بيئة قانونية تعاقب أي سلوك تمييزي في العمل والتعليم او تعاملاتنا اليومية، وتهدف هذه التشريعات لضمان المساواة والعدالة لجميع أفراد المجتمع، وتعزيز روح الانتماء والمساواة، مما يسهم في بناء مجتمع أكثر عدلا وتسامحا.
وتُشكل هذه القيم حجر الزاوية لبناء مجتمع متماسك، يقوم على التفاهم والتكافؤ، ويمضي بخطى ثابتة نحو الازدهار والتنمية.
ويجب على كتاب الرأي والاعلاميين تشجيع الحوار بين الفئات الاجتماعية المختلفة لتعزيز التفاهم البناء وبناء الثقة بين المواطنين الأصليين والمجنسين من خلال فعاليات وندوات تجمع بينهما، وتسهم في نشر الوعي حول تنوعنا الثقافي والعرقي، ويعزز تماسكنا الاجتماعي، ويؤدي إلى مجتمع أكثر استقرارا ورفاهية.
والتعامل السيئ مع المُجنَّسين ليس أَزْمَةً أخلاقيةً فحسب، بل هو تحدٍّ يعكس التزامنا كمجتمعٍ مسلم يهتمُّ بالمبادئ والقيم التي نتبنَّاها. والمساواة في المعاملة ليست مجرد شعارا نختلف أو نتفق عليه، بل هي اختبارٌ حقيقيٌّ لمدى قدرتنا على تحقيق العدالة وترسيخ القيم الإنسانية التي تتميَّز بها المجتمعات المتحضرة، وهي دعوةٌ صريحةٌ لنا لمراجعة أنفسنا وتصحيح مسارنا، لضمان أن تكون مبادئنا واقعا ملموسا يعيشه كل فردٍ تحت مظلة الوطن دون تمييزٍ أو تحيُّزٍ لفئةٍ على فئة.
ومنذ تأسيسها، قامت المملكة على أساس قيم العدالة والمساواة، وهي الآن تمضي قدما نحو مستقبل يعزز الشمولية والتنمية.
وقبول المجنسين واحتضانهم ليست فقط قضية قانونية، بل هو التزام راسخ بتعزيز وحدة المجتمع، وضمان الفرص للجميع لتحقيق إمكاناتهم والمساهمة في بناء وطنهم الذي أصبحوا جزءا منه. وهذا التوجه يعكس قدرة المملكة على تحقيق التوازن بين التقدم والتمسك بالمبادئ الإنسانية والقيم، مما جعلها نموذجا يحتذى به بين الأمم في تعزيز الانتماء والتعايش السلمي بين جميع أبنائها دون تمييز أو تفرقة.
والمجنسون ليسوا عبئا علينا أو على وطننا، بل هم إضافة مميزة تعزز تنوعنا وقوتنا. وهم جزء أساسي من نسيج مجتمعنا، ويجب أن نعاملهم باحترام كمواطنين سعوديين أولا وأخيرا.
والتغيير يبدأ من كل فرد منا من خلال تبني ثقافة الاحترام والتقدير، ونبذ التمييز والإقصاء. وبهذه الطريقة، نفتح أمام وطننا آفاقا جديدة من التقدم والتماسك الاجتماعي، ونتجنب الوصول إلى مرحلة خطيرة يرغب البعض في دفعنا إليها.
وبلادنا بحاجة إلى كل فرد قادر على الإسهام في نهضتها، بغض النظر عن أصله وفصله وخلفيته الاجتماعية، ويتطلب مستقبلنا اليوم تكاتف جهودنا تحت مظلة وحدة وطنية عادلة وراسخة، يتم فيها تقييم الإنسان بناءً على إخلاصه وعزيمته وجهده من أجل رفعة وطنه، دون النظر إلى جنسه أو عرقه، بل بما يقدمه من إبداع ومساهمة في بناء غدٍ مشرق لها ومستقبل أفضل.
وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية من أبرز الدول التي تعتمد على التنوع الثقافي والديموغرافي في تعزيز قوتها الوطنية، ومنذ تأسيسها، وهي تستقطب الملايين من المهاجرين، وتجنسهم حتى أصبحت الجنسية الأمريكية حلما للكثيرين حول العالم، ويلعب المجنسون فيها أيضا دورا حيويا في مختلف القطاعات، ويُعاملون بشكل متساوٍ مع المواطنين الأصليين، وتستفيد أمريكا من خبراتهم وكفاءاتهم دون تمييز أو تعالٍ أو تهميش، وهذا النهج يعكس قدرتها على الاستفادة من تنوع ثقافاتها وتوحيد جهود أفرادها نحو تحقيق التقدم والازدهار، مما يجعلها نموذجا يحتذى به في كيفية تحويل التنوع الديموغرافي إلى قوة دافعة نحو النمو والتقدم والازدهار والابتكار.
وتظل الولايات المتحدة الأمريكية مثالا حيا على أن التنوع ليس مجرد عنصر يتعايش، ويتكاثر في المجتمعات بلا معنى، بل هو قوة حقيقية تسهم في بناء مستقبل مزدهر.
وللعلم، تمنح الولايات المتحدة سنويا أكثر من 700 ألف شخص من مختلف أنحاء العالم جنسياتها، وفقا لإحصاءات دائرة خدمات الهجرة والجنسية الأمريكية.
وهؤلاء المجنسون ليسوا مجرد أرقام في سجلاتها الرسمية كما هو الحال عندنا، بل يشكلون إضافة نوعية تعزز قوتها الاقتصادية والعلمية والثقافية والعسكرية كعلماء ومهندسين وأطباء ورجال أعمال وفنانين، ويسهم كل واحد من هؤلاء في تطوير أمريكا لتصبح قوة عالمية تنافس الدول المتقدمة في شتى الفنون والمجالات.
والعديد من المجنسين في امريكا يشكلون حجر الزاوية في الصناعات التكنولوجية، مثل “سيلكون فالي”، ويقودون شركات عملاقة مثل “جوجل” و”تيسلا”، ويسهمون بشكل كبير في المجال الأكاديمي كأعضاء هيئة تدريس وباحثين في الجامعات الأمريكية.
وفي الجيش، يخدم الآلاف منهم بإخلاص، ويدافعون عن القيم الأمريكية، ويعززون مكانتها العالمية.
و من أبرز سمات النظام الأمريكي أن المجنسين يتمتعون بحقوق متساوية مع المواطنين المولودين فيها فور حصولهم على الجنسية، ويشمل هذا التساوي حق التصويت والترشح للمناصب (باستثناء الرئاسة ونائب الرئيس)، بالإضافة إلى كافة الامتيازات الممنوحة للمواطن الأمريكي.
ويرجع السبب في التعامل المتساوي مع المجنسين إلى إدراك الشعب الأمريكي لأهمية التنوع كعنصر أساسي في قوة بلادهم، والولايات المتحدة، التي تأسست على أساس الهجرة، تدرك تماما أن نجاحها واستمرار ازدهارها مرتبطان بجذب أفضل الكفاءات من مختلف أنحاء العالم إليها، وقد أدى هذا الوعي إلى رفض التمييز بشكل قاطع، ويعاقب القانون الأمريكي بصرامة كل من يسيء إلى المجنسين أو يقلل من شأنهم أو ينال من حقوقهم.
ولا يُنظر إلى المجنسين في أمريكا كأفراد عاديين أو مجرد متطفلين ودخلاء، بل كأصول وطنية امريكية ثابتة تُستغل لخدمة البلاد، ففي الاقتصاد الاميركي، يسهمون في سد فجوات سوق العمل، ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز النمو الاقتصادي. وفي الجيش، يدافعون عنها بشجاعة كأبنائها الأصليين. وفي مجال الابتكارات العلمية والتكنولوجية، يُسهمون بشكل فعال في دفع عجلة التقدم والنهوض بها، ويُعززون مكانتها كقوة عالمية متعددة الجوانب، ويؤكدون للعالم أن تنوعها هو سر قوتها وتفوقها في مختلف المجالات.
وتُظهر تَجْرِبَة أمريكا كيف يمكن للدول الاستفادة من هذا التنوع بدلا من مقاومته. فالمجنسون ليسوا تهديدا كما يُتصور في بعض الأحيان، بل هم فرصة حقيقية للتطور والازدهار في الدول التي تطمح إلى بناء مستقبل قوي ومستدام، وتُقدّر المجنسون بناءً على ما يقدموه من إسهامات لمجتمعها، ولها، لا على أصولهم أو أماكن ولادتهم أو جنسياتهم السابقة.
وفي النهاية، لا بدَّ أن ندرك أن نجاح النموذج الأمريكي في التعامل مع المجنسين على مدار ٣٠٠ سنة قائم على مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات، مما جعل أمريكا مجتمعًا يتسع للجميع، ويُظهر التنوع كأحد أعظم نقاط قوتها. وفي المقابل، لا يزال للأسف بيننا في هذا العصر من يدعي التدين الشديد، ويرى قدامى المتجنسين بجنسية بلادنا (طروش بحر) والجدد منهم (أبو فسيه).
كاتب راي
أعتذر منك أستاذي الكريم
أضحكتني الكلمة الأخيرة
التي إن دلت على شي..
فإنما تدل على جهل وقلة أدب من يستخدمها
فتقل من شأنه هو لا من شأنهم .
بورك قلمك الناقد البناء .
ههههههههههه
سمعت بالأولى طروش بحر في المجتمعات الرياضية المتعصبة للأسف .
أما الثانية فالحمد لله لم أسمع بها للآن .
لكن أرى أن هذه الفئة المتشددة قلة والحمد لله
ونحن كمجتمع التعليم بيننا العديد من مختلف الجنسيات بالعكس إضافات جميلة وتنوع ثقافات و وتقبل وصداقات ولله الحمد .
نعم صحيح👍
لافض فوك كاتبنا المبدع أستاذ محمد الفريدي رئيس التحرير👍