كُتاب الرأي

إرث عائلة الأسد: قمع واضطهاد

محمد الفريدي

إرث عائلة الأسد: قمع واضطهاد

يُعدّ الأمن ركيزةً أساسيةً تقوم عليها نهضة الشعوب واستقرارها، وهو الضمان الحقيقي لحياةٍ مستقرةٍ تُتيح للدول التقدم والازدهار فلا يمكن لأي دولةٍ أن تنهض أو يتحقق فيها النمو دون وجود أمنٍ يحمي كرامة أفرادها ويُعزز تنميتها.

ومن أبرز القادة العرب الذين أدركوا _ بلا مُبالغة _ أهمية الأمن في بناء الدول الملك عبد العزيز، رحمه الله، الذي لخّص رؤيته العميقة، وأدرك معناها الشعب السعودي جيدا، وتقيد بها حين قال: “إنكم تعلمون أن كل شيء لا يستقيم إلا بالأمن فإذا فُقد الأمن لا يستقيم للشعب دينٌ، ولا دُنيا، ومعناه الهلاك”.

عندما بدأ الملك عبد العزيز مسيرته لتوحيد المملكة كانت جزيرتنا العربية تُعاني من انعدام الأمن وانتشار النزاعات القبلية والفقر والجوع والأوبئة والفوضى والتفكك أدرك أن الأمن هو الخطوة الأولى لبناء دولةٍ قويةٍ قائمةٍ على العدل والتنمية، فواجه تلك التحديات بشجاعة، وأسس نظاما أمنيا صارما يعتمد على الشريعة الإسلامية مما مكّنه من القضاء على الفوضى وإرساء دعائم دولةٍ حديثة أصبحت نموذجا فريدا للاستقرار والتنمية.

في المقابل تكشف التجربة السورية منذ حكم حافظ الأسد عن عواقب وخيمةٍ لغياب الأمن والقيادة الحكيمة فمنذ أن استولى على السلطة عام 1970 بانقلابٍ عسكري، أرسى نظاما استبداديا قمعيا يعتمد على تسخير مؤسسات الدولة لخدمة أسرته وطائفته العلوية مما أدى إلى تفكيك المجتمع السوري وضياع حقوقه.

وشهد عهده أبرز مظاهر القمع من خلال القيام بأبشع المجازر المروّعة التي كان من أبرزها مجزرة حماة عام 1982 حيث قُتل عشرات الآلاف من المدنيين، ودُمّرت المدينة بالكامل على رؤوس سكانها ردا على انتفاضة شعبية تُطالب بإصلاحاتٍ اقتصاديةٍ وإلغاء سياسة التمييز الطائفي، ولم تقتصر جرائمه على حماة بل امتدت إلى حمص وحلب ومدنٍ أخرى حيث اعتمد النظام على القصف العشوائي والاعتقالات التعسفية، ونفذت المجازر الميدانية بدون محاكمات، والتعذيب الوحشي لإخماد أي صوتٍ معارض.
وبعد وفاة حافظ الأسد ورث ابنه بشار الحكم، واستمر في تطبيق نهج والده مدعوما بشقيقه ماهر مجرب الحرب وتاجر الحشيش والكبتاجون الذي تولى قيادة الفرقة الرابعة المعروفة ببطشها وخلال الثورة السورية التي اندلعت عام 2011 استخدم أساليب وحشيةً لقمع المطالب الشعبية من قصفٍ مدفعيٍ إلى التنكيل الجماعي بالمدنيين واستدعاء الميليشيات الأجنبية مثل الحرس الثوري الإيراني وحزب السئ حسن لقمع شعبه.
هذه السياسات لم تُؤدِ فقط إلى زيادة معاناة السوريين بل أيضا إلى تدمير البنية التحتية لدولتهم وتشريد الملايين داخليا وخارجيا.

وتُبرز التجربة السورية أهمية القيادة التي تضع أمن الشعب فوق المصالح الضيقة، وتُظهر كيف أن غياب العدالة والرحمة في الحكم يؤدي إلى انهيار الأمن ودمار البلاد.
في المقابل، تُؤكد تجربة الملك عبد العزيز أن الأمن لا يتحقق بالبطش بل بالعدل والحكمة وبناء نظامٍ يُراعي مصالح الجميع.

والملك عبد العزيز، رغم قلة تعليمه الرسمي إلا أنه يمتلك رؤيةً استراتيجيةً استثنائيةً تجعله يدرك أن الأمن هو أساس الدول الحديثة، ولم يكن الأمن بالنسبة إليه مجرد حمايةٍ عسكريةٍ بل يشمل الأمن الاقتصادي والاجتماعي، وعمل على تعزيز العدالة وتوطيد العلاقات مع جميع القبائل مما أسهم في توحيد المجتمع وتحقيق الاستقرار.
هذا الأمن وهذا الاستقرار هما ما مكّن المملكة من تحقيق الازدهار الاقتصادي والاجتماعي في فترةٍ وجيزة.

وفي رأيي، كعسكريٍ سابق من أعظم إنجازات الملك عبد العزيز أنه جعل الأمن أولويةً قصوى، وأنهى النزاعات القبلية، وأرسى نظاما يحمي الأفراد والمجتمع، وما بدأه الملك استمر من خلال أبنائه الذين احسن تربيتهم، وشيدوا من بعده دولةً حديثةً وقويةً أصبحت نموذجا للوحدة والاستقرار في منطقةٍ تُعاني من الصراعات منذ أكثر من قرن، وتُعدّ التجربة السعودية درسا عالميا في القيادة بينما تُقدم التجربة السورية مثالا حيا على نتائج التحزب والطائفية والقمع والاستبداد.
فعندما تغيب الحكمة والقيم الإنسانية عن القيادة العليا تكون الكارثة حتمية، والشعوب وإن خضعت للقمع فترةً من الزمن لا يمكن أن تظل صامتةً إلى الأبد فالأمن ليس رفاهيةً بل ضرورةٌ تُتيح فرص التعليم والتنمية والابتكار، وبينما اختار الملك عبد العزيز وابنائه طريق العدالة لبناء دولتهم لجأ حافظ الأسد وأبناؤه إلى القمع ليضعوا سوريا في دائرة الفوضى والانهيار والعصيان والتمرد، بسبب الظلم والقهر والطائفية.

وتُعدّ تجربة الملك عبد العزيز في بناء الأمن والدولة درسا عالميا في القيادة بينما تُظهر تجربة سوريا كيف يؤدي التحزب والقمع والاستبداد والطائفية وغياب الحكمة إلى كوارثٍ إنسانيةٍ من المستحيل أن يقبل بها شعبٌ حُر مهما تعرض للقمع والاضطهاد بلا رحمة.

فالأمن لا يتحقق بالسلاح وحده بل يحتاج إلى قيادةٍ حكيمةٍ تُعلي قيم العدالة والرحمة والمساواة والإنسانية في المجتمع، وهو ما نجح فيه الملك المؤسس باحترافية عالية استطاع من خلالها أن يُوحّد أمةً كانت مشتتةً، لا تعرف معنى الاسقرار و الامن، ويؤسس دولةً قويةً لا تزال تُعدّ نموذجا يُحتذى به في المنطقة والعالم أجمع.

وفي المقابل أخفق نظام الأسد في تحقيق أدنى متطلبات الأمن الحقيقي باستناده إلى مفهوم زائف للأمن يقوم على الترهيب والبطش والتمييز ما أدى إلى تقويض الثقة بين الدولة والشعب وبدلا من أن يكون الأمن وسيلةً لتحقيق الاستقرار والازدهار أصبح أداةً للقمع وخدمةً للطغمة الحاكمة على حساب أغلبية الشعب.

رغم الالم تُثبت لنا التجربتان السعودية والسورية أن بناء الدول يتطلب قيادةً تمتلك رؤيةً استراتيجيةً وشجاعةً لتحقيق العدل والمساواة فمن جهة تُبرز المملكة مثالا حيا على كيفية بناء دولةٍ قويةٍ ومستقرةٍ على أسس الأمن والعدل والتنمية بينما تُظهر سوريا درسا مأساويا عن النتائج الكارثية عندما تُدار الدول بالاستبداد والتحزب والطائفية.

الأمن ليس مجرد غايةٍ بحد ذاته بل هو وسيلةٌ لتحقيق الحياة الكريمة والتعليم والتنمية والإبداع.
وهذا ما أدركه الملك عبد العزيز بعبقريته السياسية، وما فشل فيه حافظ الأسد وأبناؤه بغطرستهم واستبدادهم، لذلك، يبقى الأمن الحقيقي دائما مرتبطا بالعدل والحكمة، وهو ما ينبغي لكل أمةٍ أن تسعى لتحقيقه، وصدق المؤسس والله العظيم حين قال : (من فقد الأمن فقد السعادة جميعها).

كاتب رأي
.

محمد الفريدي

رئيس التحرير

‫3 تعليقات

  1. ✍إضافة :
    كما أعجبني أيضا في المقال وضع مقارنة فارقة بين نظام إرساء الأمن والآمان في المملكة العربية السعودية وجهود حكامنا وبين مانشاهده من أنواع الأسى في البلدان ذات الحكم الطاغي كنظام بشار الأسد و والده👍

  2. كاتب الصحيفة المبدع ورئيس تحريرها ، الأستاذ محمد الفريدي :

    مقالك هذا يعكس حقيقة مريرة ومؤلمة لما يعانيه الشعب السوري من مجازر وقمع ممنهج تحت حكم نظام بشار الأسد .
    لقد نجحت يااستاذ محمد في تسليط الضوء على الواقع المظلم الذي يعيشه المواطن السوري ، والظلم الذي لا يزال يستمر بلا رحمة أو إنصاف .
    والآن الحمدلله كثيرا الذي أنقذ سوريا منه ومن قمعه وجرائمه والمجازر التي تنفذ بأمره .

    هذه المقالات تساهم في توعية العالم بما يحدث خلف الستار ، وتفتح نافذة للعدالة والحرية التي يناضل من أجلها الشعب السوري .
    كل الشكر لك على هذا الجهد الرائع والكتابة الجريئة التي تفضح الحقائق وتدعو العالم للتحرك👍
    فشكرا لك مرة أخرى كاتبنا المبدع🌻

    1. سعادة مديرة التحرير الأستاذة ابتسام الجبرين تحية طيبة مملوءة بالتقدير والاحترام.
      أشكرك سيدتي جزيل الشكر على تحليلك العميق لمضمون المقال، وتعليقك هذا لن أعتبره مجرد إشادة بل سأعتبره شهادة أعتز بها من قامة إعلامية متميزة مثلك.

      لقد سعيت من خلال المقال إلى أن أعبر عن أصوات الضحايا الذين غابت عنهم العدالة لأكثر من نصف قرن، بينما نحن نعيش في هذه الفترة في أمن وأمان، وأن أكشف عن معاناة شعب أرهقه القمع والاستبداد فما عاد يقوى حتى على الكلام.

      لا شك أن كلماتك تؤكد أهمية تسليط الضوء على مثل هذه القضايا التي تحتاج إلى تضافر الجهود الإعلامية والإنسانية لفضح الظلم والدعوة إلى الكتابة عنها في مختلف وسائل الإعلام.

      وما يزيدني فخرا هو إشارتك إلى المقارنة التي أوردتها في المقال بين نظام يرسخ دعائم العدل والأمن والأمان في بلادنا، وبين ما نشاهده من أنواع المآسي في البلدان ذات الحكم الدكتاتوري كنظام بشار الأسد ووالده.
      فهذه المقارنة لا تهدف إلا إلى إظهار كيف يمكن أن يكون العدل والأمن والمساواة أساسا لبناء دولة قوية ومستقرة، في مقابل ما ينتجه القمع والاستبداد من دمار وتشريد وفقدان لكرامة الإنسان.

      وإن كان للمقال من أثر إيجابي فهو بفضل دعمكم الكريم وثقتكم الكبيرة في دور الكلمة التي تمنحني دافعا لمواصلة الكتابة بنفس الإصرار والالتزام، إيمانا منا جميعا بأن الكلمة الصادقة قادرة على أن تكون قنديلا للأمل في جوف الظلام.

      الشكر كل الشكر لك على هذا التشجيع الذي يمثل دافعا كبيرا ليس لي فقط بل لكل قلم يسعى للحق والحرية والسلام.
      مع أصدق أمنياتي لك بدوام التألق والنجاح.
      محمد الفريدي
      كاتب رأي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى