كُتاب الرأي

أمريكا دولة قراصنة و بلطجية

محمد الفريدي

أمريكا دولة قراصنة و بلطجية

عندما بدأتُ أكتب هذا المقال، اخترتُ له عنوانا (أمريكا التي لم يُخلق مثلها في البلاد)، وبدأتُ أُوجّه نقدا لاذعا إليها باعتبارها السبب الرئيسي وراء المصائب التي تُحيط بالعالم العربي والإسلامي.
فلولا تدخلاتها المقيتة في حياتنا سواء على مستوى الحكومات أو الشعوب لكنا نعيش اليوم في سلام واستقرار حتى مع اليهود، ولكنني سرعان ما اكتشفت أن الكثيرين من الكُتّاب سبقوني إلى استخدام هذا العنوان في مقالاتهم، فقررتُ استبداله بعنوانٍ أكثر حدّة، والله يستر من غضب “العم سام”.

إن أمريكا، بسياساتها العبثية التي تلعب بمصائر الحكام والشعوب ليست مجرد قوة عظمى فحسب بل هي أداة هدمٍ مُمنهجة تستهدف طمس الهوية العربية والإسلامية، متسلحة بأجندةٍ صهيونية تسعى لترسيخ الهيمنة عليهما بأي ثمن دون مراعاة لقيمهما الدينية والإنسانية والحضارية.

فهي على مدى أكثر من قرنين قدّمت نفسها للعالم كرمز للقوة، والحرية، والمساواة، والديمقراطية، والعدالة، ولكنها كانت تخفي خلف هذا القناع سياسة قاسية تُحرّكها المصالح الاقتصادية والسياسية واللوبيات المختلفة دون أي اعتبار لإنسانية الشعوب أو استقرارها.

إن وجه أمريكا القبيح المتمثل في الحزبين الديمقراطي والجمهوري يكشف تناقضها الفاضح بين شعارات الحرية والواقع الهش الذي تفرضه على دول العالم، فكلا الحزبين منذ قيامها يبنيان أمجادهما على أنقاض الدول الأخرى، ويؤججان الصراعات لاستنزاف ثرواتها دون اكتراث بمعاناة الشعوب أو عواقب أفعالهما المدمّرة.

فأول ما بدأت مسيرتها بدأتها بإبادة السكان الأصليين لتؤسّس دولتها ثم تحولت إلى قوة استعمارية عظمى تفرض هيمنتها في كل مكان تحت شعارات الديمقراطية تاركةً خلفها دولا ممزقة ومجتمعات منهارة كما فعلت في العراق وسوريا ولبنان وأفغانستان والسودان وليبيا وفلسطين وفيتنام.

وتحت غطاء حقوق الإنسان، والتحالفات، والحماية، والحرية، تستغل موارد الشعوب، وتزعزع استقرار الدول بسياسات تخدم مصالحها فقط، فهي قوة ظالمة لم يرَ العالم أكثر ظلما منها، ولا تتردد في التضحية بالآخرين لتحقيق أهدافها الأنانية.

وتدخلاتها في الدول لا تهدف إلى مساعدة شعوبها أو تحسين أوضاعها بل تسعى لتعزيز نفوذها واستغلال ثروات هذه الدول، وحتى في داخلها يعاني الفقراء من التهميش والفجوة الاقتصادية الواسعة بين الأغنياء والفقراء مما يظهر التناقض بين القيم التي تدعيها والواقع الذي تعيشه.

فأمريكا ليست كما تصور نفسها للعالم في صورة مثالية فخلف كل شعار ترفعه تكمن أطماعها التي تلتهم ثروات الشعوب وأحلامهم، وتترك وراءها إرثا من المعاناة والانقسام.
اقتصاديا فرضت نظاما عالميا يخدم مصالحها فقط مستخدمة الدولار كسلاح لإضعاف اقتصادات الدول الأخرى وجعلها تحت سيطرتها للأبد بينما تصب الاتفاقيات والسياسات التجارية في تعزيز قوتها فقط على حساب الدول النامية.
ونتيجة لذلك تجد بقية الدول نفسها غارقة في الديون والتبعية الاقتصادية غير قادرة على تحقيق استقلالها المالي أو تطوير اقتصادها المحلي، وبينما تتشدق بدعمها للاقتصاد العالمي نجد أن سياساتها تهدف إلى حماية مكانتها كقوة اقتصادية على حساب استنزاف ثروات الشعوب النامية وإفقارها.

ففي مجال البيئة مثلا تتحدث كثيرا عن مواجهة تغير المناخ، وتتصدر المؤتمرات الدولية بشعارات براقة، ولكنها في الحقيقة تسهم بشكل كبير في التلوث العالمي، بسبب سياسات شركاتها الكبرى المدعومة من الكونغرس والبيت الأبيض اللذان يضعان الأرباح فوق الاعتبارات البيئية مما يؤدي إلى استنزاف الموارد الطبيعية وزيادة انبعاثات الكربون ثم تطالب بكل وقاحة الدول الأخرى بتقليل انبعاثاتها بينما تواصل شركاتها التوسع في الصناعات الملوثة للبيئة داخل حدودها أو في الدول النامية التي تستغلها في صناعاتها بتكاليف منخفضة ودون التزام بالمعايير البيئية.
هذه الازدواجية المشينة تهدد مستقبل كوكب الأرض، وتضع المصلحة الاقتصادية الأمريكية فوق مصلحة البشرية.

أما حقوق الإنسان التي تتباهى بها فهي مجرد ذراع تأديبي قوي وأداة انتقائية تخدم مصالحها تغض الطرف عن انتهاكات حلفائها، وتفرض العقوبات على خصومها تحت شعارات الحرية والعدالة حتى دون وجود تهديد فعلي لمصالحها، وتكشف هذه السياسات ازدواجية أمريكا بين ترويجها لقيم حقوق الإنسان وممارساتها التي تعزز بها نفوذها على أرض الواقع مما يفضح تناقضها الواضح للعيان.

وبالإضافة إلى استخدامها للقوة العسكرية وحقوق الإنسان والتلوث البيئي والمناخ استغلت أمريكا إعلامها وقوتها الثقافية عبر هوليوود ووسائل الإعلام الكبرى لفرض ثقافتها على الثقافات المحلية مما تسبب في تآكل الهويات الوطنية في العديد من الدول حتى باتت تقلد مشيتها.
هذا التغلغل الثقافي لا يقتصر على الأفلام والموسيقى فقط، بل يمتد إلى أنماط الحياة الاجتماعية والأفكار المختلفة مما دفع العديد من المجتمعات إلى تبني النمط الأمريكي والتخلي عن تقاليدها الخاصة بها، وفرضت رؤيتها على العالم كمعيار مثالي للحضارة والتقدم، وما عداها رجعية وتخلف مما أضعف التنوع الثقافي، وأدخل الشعوب في صراع مع هويتها الأصلية.

في النهاية تبقى أمريكا في نظري رمز للتناقضات تتحدث عن الحرية والديمقراطية، وتستغل الشعوب، وتنهب ثرواتها لتحقيق مصالحها، وبهذه الازدواجية تكشف للعالم أن مصالحها الضيقة تتفوق على المبادئ التي تروج لها مما يعكس وجها حقيقيا لسياساتها التي لا تخدم بها سوى الأغنياء والأقوياء.

فهاهي أمريكا التي تتخفى وراء شعارات العدل والمساواة وحقوق الإنسان تفرض قوتها وسياساتها التي لا تعترف إلا بمبدأ الربح والقوة، وتُبهر العالم بإنجازاتها تترك خلفها بصمات سوداء من حروب مدمرة وتدخلات عسكرية ونهب لموارد الدول التي تتدخل في شؤونها، وتفرض نفوذها بالقوة على شعوبها، وتتفاخر بالقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكنها في الواقع هي من تزعزع استقرار الدول، وتدمرها لتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية.
هذا السلوك المشين يكشف ازدواجيتها في التعامل مع القضايا الإنسانية، وتجاهلها أن العالم لا يحتاج إلى قوة ظالمة كقوتها بل يحتاج الي قوة تحترم حقوق الشعوب في تقرير مصيرها ومعتقداتها وأسلوب حياتها بدلا من فرض هيمنتها بالقوة أو بالعصا والجزرة.

إنَّ أمريكا التي تدَّعي الريادة في كل شيء صنعت عالما غير متوازن يسوده الظلم واستغلال ثروات الشعوب تحت شعارات الحرية والعدالة وحقوق الإنسان، وما إلى ذلك من كلام فارغ بينما تُضعِف دولا بأكملها، وتنهب خيراتها دون مراعاة لمعاناة شعوبها فهل ستستمر في غطرستها وهيمنتها أم ستكتشف حقيقتها مع الأيام بأنها ليست دولة عظمى بل مجرد قوة ضاربة بأيدي قراصنة وبلطجية؟

كاتب رأي

محمد الفريدي

رئيس التحرير

‫7 تعليقات

  1. بل ستستمر في غطرستها وستزيد من تلك الغطرسة لانها لن تحد من يردعها عن ذلك .. كل الدول تتودد لماما امريكا وترتمي بإحضانها .. الكل يتمنى السلامة من بطش قراصنتها وافتراءآتها الكاذبة احيانا وما نووي العراق عنا ببعيد .. وبعدما سلبت خيرات العراق سلمتها لملالي طهران ..
    اخي محمد مقالك جميل ورائع ولكن من يقوى على مقارعة جبروت امريكا وإيقاف هذة الغطرسة .. تفكك العرب والمسلمين جعلهم في اضعف حال قدرتهم على بعضهم البعض فقط والله المستعان .

    1. شكرا لك مستشارنا العزيز أبا عبدالله على تعليقك العميق والصريح.
      بالفعل، ما ذكرته هو عين الحقيقة المؤلمة؛ فأمريكا تستغل حالة الضعف العربي والتفكك الإسلامي لتزيد من غطرستها وجبروتها،،وللأسف، حين يغيب التكاتف بين الدول، تصبح الفرصة سانحة أمامها لمواصلة نهجها الاستعماري تحت مظلة المصالح والهيمنة.

      ما حدث في العراق مثال حي لا يمكن أن يُمحى من الذاكرة، فهو تجسيد لسياسة القراصنة التي أشرت إليها، حيث تم نهب خيرات العراق وتسليمه بعد ذلك لمن يخدم أجندتها الإقليمية.

      أما عن مقارعة هذا الجبروت، فكما تفضلت، لن يتم ذلك إلا بوحدة الصف العربي والإسلامي وإعادة بناء منظومة مشتركة قادرة على مواجهة التحديات بقوة وثبات، ولكن حتى ذلك الحين، يبقى الأمل في أن تُدرك الشعوب قيمة التكاتف والعودة إلى النهج القويم.

      شكرا لك مرة أخرى على دعمك وتعليقك الثري ، نسأل الله أن يهيئ لهذه الأمة من يجمع كلمتها على الحق، وتقبل فائق تحياتي.
      أبو سلطان

  2. وصف دقيق لحالة العالم الظالم، من يدّعون حقوق الإنسان هم الأقل إنسانية، والأكثر جرمًا ودموية، رئيس تحرير الصحيفة الجميلة الأستاذ / محمد الفريدي أبو سلطان لك مني كل الود والتقدير على المقال الجريء.

    1. شكرا لك دكتور شادي على كلماتك الداعمة وثنائك الكريم.
      بالفعل، تناقضاتهم صارخة، يتشدقون بحقوق الإنسان بينما تُظهر أفعالهم الوجه الحقيقي لأجنداتهم الخفية.

      تعليقك يضيف للمقال عمقا وإضاءات جديدة، وتقديرك يعني لي الكثير.
      كل الشكر والود لشخصك الكريم، ونسأل الله أن يعيننا جميعا على كشف الحقائق وإعلاء صوت الحق دائما .
      تحياتي

  3. وصف دقيق لحالة العالم الظالم، من يدّعون حقوق الإنسان هم الأقل إنسانية، والأكثر جرمًا ودموية، رئيس تحرير الصحيفة الجميلة الأستاذ / محمد الفريدي أبو سلطان لك مني كل الود والتقدير على المقال الجريء.

    1. شكرا لك على كلماتك الجميلة سيدتي ، وأقدر دعمك وتشجيعك الذي يعطيني دافعا أكبر للاستمرار في تقديم الأفضل، ونسعى دائما لأن تكون آخر أخبار الأرض صوتا يعبر عن الحق والدفاع عنه، ومنبرا للفكر العميق والإنسانية.
      دمت بخير وود و تقبلي فائق تحياتي.
      أبو سلطان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى